تعيش جهة كلميم-وادنون على إيقاع زخم تنموي بفضل إنجاز مشاريع كبرى منها بنيات تحتية مهيكلة ساهمت في تسهيل تنقل الساكنة، وتعزيز المبادلات التجارية ودعم الاستثمار.
الطريق السريع تزنيت-الداخلة ومطار كلميم، نموذجان بارزان لهذه الدينامية التنموية، إذ أن هذه المشاريع الطرقية والمطارية الهامة أحدثت تحولا عميقا في تسهيل حركة تنقل الأشخاص والبضائع في الجهة، مع تقريب المناطق القروية من المراكز الحضرية الكبرى.
ومن خلال هذه المنشآت الطموحة، تعزز جهة كلميم وادنون دورها كملتقى استراتيجي، مما يساهم في تحفيز التجارة وجذب السياحة والنهوض بالاستثمار المحلي.
وبهذا الزخم التنموي المتواصل الذي انخرطت فيه الأقاليم الجنوبية منذ المسيرة الخضراء المظفرة واستكمال الوحدة الترابية للمملكة، فإن كلميم تعد بحق بوابة حقيقية للصحراء، حيث يمنحها هذا التموقع دورا محوريا في تعزيز المبادلات التجارية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين مختلف جهات المملكة.
ويضطلع الطريق السريع تزنيت-الداخلة بدور مركزي في فك العزلة على المناطق النائية.
ففي رأس أومليل، وهي قرية تمر عبرها هذا الطريق الاستراتيجي وهي تابعة لجماعة لبيار بإقليم كلميم، يلمس السكان التحول العميق الذي شهدته المنطقة بفضل هذا المشروع الحيوي.
ويعبر سكان القرية، وعلى وجوههم ملامح الارتياح، عن سعادتهم قائلين إن “الحياة أصبحت اليوم أكثر يسرا” بعد سنوات طويلة من العزلة التي كانوا يضطرون خلالها إلى قطع مسافات وساعات طويلة للوصول إلى الأسواق أو للحصول على الخدمات الأساسية.
أما الآن، فالرحلات أصبحت أسرع، والتبادلات التجارية أكثر سلاسة بفضل هذه الطريق الجديدة. كما أصبح الأساتذة والموظفون يؤدون أعمالهم دون عناء، والعائلات تتنقل بسهولة، في حين تصل البضائع والسلع إلى المنطقة بانتظام.
ويضيف السكان مؤكدين: “أصبحت كل رحلة الآن أكثر سهولة، والحياة اليومية باتت دون ضغط كما في السابق.”
ويتجلى الأثر الإيجابي للطريق السريع على حياة السكان في المشاهد اليومية التي أصبحت مألوفة على طول مساره؛ فالمطاعم والمقاهي الجديدة تنتعش بالحركة، وتتحول إلى محطات استراحة للسائقين الذين يركنون شاحناتهم لالتقاط أنفاسهم بعد السفر.
ويعبر أصحاب هذه المطاعم والمحلات عن ارتياحهم الكبير للإقبال المتزايد من الزبائن، فيما يشيد سائقو الشاحنات بجودة الطريق السريع الذي مكنهم من توفير الوقت، وتقريب المسافات، وضمان قدر أكبر من السلامة أثناء تنقلاتهم.
وإذا كان الطريق السريع قد ساهم في تقريب القرى وتسهيل الرحلات اليومية الطويلة، فإن مطار كلميم، الذي تم إحداثه قبل مشروع الطريق السريع، يساهم بدوره في تقريب المسافات بين أهم المدن بالمملكة، بل وحتى على صعيد الرحلات الدولية، مما يساهم في خلق طفرة نوعية في السفر والمبادلات التجارية، ويجعل من كلميم ملتقى اقتصاديا وسياحيا يتجاوز المسافات على الأرض.
وشهد مطار كلميم نموا ملحوظا في عدد المسافرين بنسبة 24 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من عام 2024، كما تم تعزيز الرحلات الداخلية بإضافة رحلتين مباشرتين إلى الدار البيضاء، ليصل عدد الرحلات الأسبوعية إلى خمس رحلات، بالإضافة إلى رحلتين دوليتين نحو لاس بالماس، ولانزاروت.
وفي تصريحات لوكالة المغرب العربي للأنباء، أعرب عدد من المسافرين وصلوا في رحلة قادمة من مدينة الدار البيضاء استغرقت أقل من 90 دقيقة بدلا من سبع إلى ثماني ساعات من السفر بواسطة السيارة، عن ارتياحهم وإعجابهم بمستوى الخدمات بهذا المطار.
ويقول رضوان، مسؤول تجاري، “أسافر بشكل منتظم إلى مدينة الدار البيضاء من أجل العمل، ومع تعزيز الرحلات الجوية أصبح التنقل أسرع ومريح، أحاول تنظيم مواعيدي دون هدر أي وقت، وهذا الأمر سهل لي عملي. والأمر كذلك بالنسبة للمقاولات المحلية التي تعتمد على مبادلاتها التجارية”.
وبالنسبة لعدد من المسافرين، فإنها رحلة مفيدة في حياتهم اليومية، تقرب الجهة من باقي جهات المغرب، وتفتح آفاقا مهنية وشخصية جديدة.
بدوره، أكد الممثل المغربي، ربيع القاطي، خلال رحلة إلى كلميم، على الأثر الثقافي لمثل هذه البنيات التحتية التي تقرب الساكنة من الأنشطة الثقافية من قبيل السينما والمسرح، وتسهم في تطوير صناعة ثقافية محلية أصيلة، وتتيح للشباب والعائلات فرصة خوض تجارب فنية جديدة.
أما البشير الفقيه، رئيس قسم العرض الترابي بالمركز الجهوي للاستثمار بكلميم واد نون، فيؤكد أن جميع هذه البنيات التحتية، من طرق ومطارات وموانئ، تشكل شريان حياة للسكان والمستثمرين.
وأضاف أن الطريق السريع عزز التبادلات التجارية بين شمال وجنوب المملكة وقلص مدة السفر وتكاليف نقل البضائع نحو العمق الإفريقي، مما ساعد في جذب الاستثمارات المحلية والدولية، بما فيها مشاريع الهيدروجين الأخضر. أما المطار، فيسهم في جذب السياحة والاستثمار، خاصة مع تعزيز الخطوط الجوية الداخلية والدولي.
ومن خلال الطريق السريع تزنيت-الداخلة، ومطار كلميم، تكون بذلك جهة كلميم واد نون قد شهدت تحولا بارزا في حياتها الاقتصادية والاجتماعية. حيث أن هذه البنيات التحتية لا تسهل فقط التنقلات اليومية للساكنة بل تتيح فرصا اقتصادية، وتدعم التنمية المستدامة للأقاليم الجنوبية.














