مسلسلات الفساد تعم البر والبحر .. وبعد ؟

قصة الحفرة و نهب الميزانية

30 أغسطس 2024آخر تحديث :
مسلسلات الفساد تعم البر والبحر .. وبعد ؟
مصطفى العبيسي
مصطفى العبيسي

لا حاجة للتأكيد بانه لا سبيل إلى تحقيق اى تغيير في اوضاع بلادنا ، ولايمكن الرقي بأحوالنا الاقتصادية والاجتماعية ، مهما اجتهدنا وبذلنا من استثمارات وتضحيات ما لم نصف حسابنا بالمرة مع الفساد ، الذي يستشري ويتغلغل ويتغول في جميع مظاهره وعلى كل المستويات حتى ان أخباره أصبحت تحجز لها المساحة الأكبر من الجرائد ونشرات الأخبار .

المجالس المنتخبة التي يعول عليها للسهر على تحقيق آمال المواطنين في تحسين اوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والحرص على تدبير شؤونهم الحياتية بما يجب من تفاني واخلاص، تتصرف بطرق أخرى ولا ترى الأمر بنفس المنظور ،حيث تعتبر الولاية رخصة استغلال تحقق من وراءها اكثر ما يمكن من مكاسب مقابل المجهود المبذول للفوز بالمنصب في الانتخابات .

الرئاسة أو العضوية فرصة لخدمة الذات والعائلة والأقارب والحزب 

لذلك غصت وزارة الداخلية والكثير من المحاكم بمآت الملفات النتنة التي تفوح منها كل روائح الفساد بانواعه إذ اصبح الفاسدون يتنافسون في ابداع أنواع واشكال التلاعب والسطو واستغلال النفوذ ونهب أموال الشعب.

الناخب بدل الاجتهاد في حل مشاكل المواطن ومعالجة المعضلات الاقتصادية والاجتماعية لجماعاتهم ، ينصرفون إلى البحث عن وسائل الوصول إلى الميزانية لالتهامها  بكل الطرق .

الخلاصة ان بلادنا تحتاج اليوم وبإلحاح إلى جعل المعركة ضد الفساد في مرتبة اولوية الأولويات للقطع  معه بصفة نهائية وإخراج الأدوات والوسائل الكبيرة لذلك.

الحكامة والنجاعة

قال احد الظرفاء بان الكثير من تصرفات المنتخبين الفاسدين تكون عادة حقا يراد به باطل ، وحرام مغلف بالحلال . وحكى قصة طريفة في هذا المعنى :

كانت هناك حفرة كبيرة وسط احدى الطرق وكان كثير من السائقين يقعون فيها بسبب الظلام فتقع خسائر كبيرة في السيارات ويصاب ركابها إصابات بالغة تستدعي نقلهم إلى المستشفى الذي يبعد ب50 كيلومتر مما يسبب كثيرا من الوفيات ، قام السكان بعرض المشكل على رئيس الجماعة الذى جمع المجلس وقرر بعد تفكير وتقدير ان يحل المشكل  بأنجع طريقة

إذا فكرت في ان الحل هو احضار “برويطة ” من الإسفلت وملأ الحفرة فأنت لا تصلح لتكون رئيسا للجماعة او حتى عضوا لان مثل هذه الحلول لا تسمن . اماً صاحبنا فوجد بعبقرية الرئاسة الحل الأمثل ، وهو صرف الميزانية لشراء سيارة   اسعاف من احدث طراز وتجهيزها باحدث تكنولوجيا العناية ووضعها بجانب الحفرة مع سائق ومسعف ليل نهار حتى تحمل اى مصاب في الحال إلى  المستشفى .وبطبيعة الحال فان الرئيس سيحول احد بنود الميزانية لشراء السيارة من محل احد الأعضاء مع الحرص على إبرام عقود تفضيلية مع ميكانيكي الصيانة والإصلاح ومكتب التأمين واختيار السائق والمسعف ًمن الجوار . والكل سيستفيد ويصوت .

لكن الأمر لم يرق المعارضة فأسرعوا الي رئيس مجلس العمالة واطلعوه على هذا المنكر  فاستدعى رئيس الجماعة وقرعه على فكرته لان شراء سيارة وخلق وظائف ومصاريف كبيرة تبذير يتعارض مع سياسة الدولة القائمة على ترشيد النفقات .

اقترح رئيس مجلس العمالة طمر الحفرة وحفر حفرة أخرى أمام المستشفى قريبا من ورش الميكانيك الذي يملكه بحيث يستطيع الجرحى ان ينقلوا للمستشفى مباشرة دون حاجة لسيارة اسعاف.

الفكرة لم ترق فريقا آخرا من المعارضة فحملوا القضية إلى رئيس المجلس الإقليمي الذى حسم الأمر بان ذكر الجميع بسياسة الدولة التي تقوم على تقريب الخدمات من المواطن  وراى ان بناء المستشفى في مكانه خطأ كبير وان الحل الأفضل هو ازالة المستشفى كليا وإعادة بناءه قريبا من الحفرة  . وبطبيعة الحال كان الرئيس يفكر في الصفقة الدسمة التي يمثلها بناء مستشفى لمقاولة زوجته .

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق