في المغرب، تعتبر التوابل من المكونات الرئيسية التي تضفي نكهة متميزة وشهية على مختلف الأطباق. هكذا، ومع اقتراب عيد الأضحى المبارك، الذي يعد مناسبة لإعداد ما لذ وطاب من الأطباق المغربية التقليدية، تعرف التوابل بإختلاف ألوانها وطعمها إقبالا كبيرا من طرف المغاربة.
بروائحها الزكية ومذاقاتها المتنوعة، تغزو التوابل من كمون وفلفل وزنجبيل وكركم وقرنفل، وغيرها، الأسواق التي تعرف حركة دؤوبة خلال هذه الفترة. وفي حين يفضل البعض التوابل المطحونة الجاهزة للاستهلاك، يختار البعض الآخر التوابل الكاملة (بذور). سواء لاستخداماتهم الشخصية أو باعتبارها مصدرا للدخل، يقوم هؤلاء بإعادة إحياء التقاليد القديمة وابتكار خلطات جديدة من شأنها إغناء لائحة النكهات العريقة. ففي الدار البيضاء، لطالما امتزجت التقاليد العريقة بالابتكار والتجديد.
الساعة تشير إلى 11 والنصف صباحا في قيسارية الحفاري بدرب السلطان، حيث يعرف سوق التوابل بالجملة في العاصمة الاقتصادية حركة دؤوبة. ترتفع الأصوات، وتمتزج الروائح، وتتدافع الحشود… ومع ذلك، تأخذ عائشة وقتها في تفحص الكمون المجفف، والكزبرة المجففة بعناية للتأكد من جودتهما.
من الشراء إلى الطحن، مرورا بالفرز والتنظيف، اختارت هذه السيدة ذات الخمسين عاما، تحضير توابل العيد يدويا من خلال اقتناء بذور التوابل وإعدادها بنفسها في منزلها. ورغم أن هذه العملية تتطلب جهدا ووقتا أكبر إلا أنها “أكثر أمانا ونكهة”.
وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء تقول السيدة عائشة: “بعد تقاعدي، اخترت هذا العام أن أحضر التوابل بنفسي، من أجل تأكدي شخصيا من النظافة والحفاظ على نكهات التوابل التي يمكن أن تفقد أحيانا بسبب استخدام عدة أنواع في نفس الآلة”، مستحضرة على سبيل المثال، الكمون، الذي يعد من التوابل الأساسية في تحضير أطباق اللحوم المطبوخة على البخار وفي الفرن، والذي يجب أن يحتفظ بطعمه الخالص المميز لموازنة النكهات القوية للحم الأضحية.
وعلى غرار بذور الكزبرة، تضيف عائشة، فإن الكمون يعد أيضا مفيدا للجهاز الهضمي، ولذا يجب العمل على تحضيره بعناية. من جهة أخرى، أشارت إلى أن الطقوس القديمة في إعداد التوابل كانت تتم بشكل خاص على الشرفات التي تزين بالألوان الزاهية للبابريكا والكركم والصولجان التي توضع على شراشف لتجف تحت أشعة الشمس ليتم في ما بعد فرزها وتنظيفها من الشوائب.
وأكدت عائشة أنه “برفقة ابنتي، أحاول قدر المستطاع أن أخلق أجواء رائعة خلال مناسبة العيد”، مشيرة إلى أنها تقوم أيضا بإعداد الخلطات اللازمة للأطباق التقليدية، مثل البهارات الخاصة بالشواء واللحم المفروم والقديد وأيضا المروزية الطبق الشهير والمفضل لدى المغاربة خلال هذه المناسبة .
بالنسبة للوصفات الأكثر تعقيدا، مثل “راس الحانوت”، الذي يشمل أكثر من 40 نوعا من التوابل المختارة، تستعين عائشة دائما بالبائع الذي اعتادت على اقتنائه منه، والذي يصنع مزيجا فريدا وغنيا. وقالت في هذا السياق، إنه “رغم معرفتي الكبيرة، تبقى لمسة المتخصص، الذي يضبط القياسات الدقيقة، مهمة”، مشيدة بكرم هذا التاجر الذي لا يتردد في مشاركة زبائنه بعض النصائح والحيل، منها استخدام مسحوق اللوز في تتبيل اللحوم.
وعلى عكس طحن الفلفل أو البقدونس المجفف، الذي يعد سهلا، فإن طحن جوزة الطيب أو الزنجبيل، تعد عملية أكثر تعقيدا. وإذا كانت هذه المرأة البيضاوية، على غرار الكثيرين، قادرة على معالجة توابلها في المنزل، فإن الفضل في هذه الحالة يعود إلى ظهور آلات طحن جديدة ذات سعة صغيرة، لا يتجاوز سعرها 750 درهما.
آلات الطحن الكهربائية العملية هاته، المتوفرة في السوق ذاته، أو على بعد بضع كيلومترات في درب عمر، والتي تباع أيضا على شبكة الإنترنت، تلقى إقبالا مهما مع اقتراب عيد الأضحى المبارك. في الواقع، يرجع هذا الإقبال الكبير إلى عدد كبير من اليوتيوبرز، اللائي يسلطن الضوء على تحضيرات العيد على قنواتهن.
لجذب الجمهور أو بيع التوابل التي يطلقن عليها “التوابل العضوية”، تقوم هؤلاء المؤثرات في السياق ذاته، بإحياء عادات الطهي القديمة، لكنهن يضفن أيضا بعض لمسات التجديد.
ومن بين الوصفات العصرية، الملح المنسم الذي يحل محل مكعب النكهة. بالإضافة إلى آلة الطحن الشهيرة التي تساعد على صنع “ماسكات التجميل التقليدية”، من أجل تجديد الطاقة بعد حمام مغربي تقليدي لتخفيف التعب والارهاق الذي يخلفة الاحتفال بالعيد.