بعد طول انتظار من قبل الساكنة البيضاوية، دخلت الحافلات الجديدة الخدمة، غير أن فرحة البيضاويين بانطلاقة هذه الحافلات لم تدم أكثر من 24 ساعة عن تشغيلها، بعدما أصبحت هدفا لأعمال تخريبية.
فالكل شاهد مصدوما صورا لحافلتين، وقد تعرضتا للرشق بالحجارة، ما تسبب في تكسير زجاج نوافذهما، وهي الصور التي تناقلتها مختلف وسائل الإعلام والتواصل، معبرة عن موجة عارمة من الاستنكار والإدانة لهذا الفعل الشنيع من قبل النشيطين عبر الانترنت، مع دعوات إلى معاقبة كل من يقف وراء ذلك الاعتداء بكل حزم وصرامة.
فالحافلات الجديدة، التي تتميز بكونها حافلات حديثة ومتطورة جدا، والتي تستغلها شركة “ألزا البيضاء”، تمتلك كل الخصائص التي تغري مستخدمي وسائل النقل العمومي، مانحة إياهم كل وسائل الراحة، لترمم شيئا من صورة العاصمة الاقتصادية للمملكة، التي تضررت كثيرا بفعل أزمة النقل العمومي التي طالت لسنوات.
فتشغيل حضيرة حافلات من الجيل الجديد، والتي تم اقتناؤها في إطار عقد للتدبير المفوض، توخى بالخصوص المساهمة في تحديث أنماط النقل الجماعي بالدار البيضاء، كبرى حواضر البلاد، التي يمكن لها أن تفتخر بنجاح تجربتها في النقل عبر الترامواي، الذي فرض نفسه، مع مرور السنين، كوسيلة نقل ناجعة وآمنة بالنسبة للتنقلات الحضرية.
وما الاستنكار الواسع لهذه السلوكات غير المتحضرة والمشينة التي صارت تستهدف الحافلات الجديدة، والتنديد بها، إلا دليل قوي على تنامي الوعي لدى المواطنين بضرورة حماية والحفاظ على الممتلكات العمومية، الممولة، أساسا، من قبل دافعي الضرائب.
وهنا يمكن استحضار تجربة وكالة النقل الباريسي (RATP)، المكلفة بتدبير شبكة النقل العمومي بالدار البيضاء الكبرى، في حماية مقطورات الترامواي من الاعتداءات، والتي يمكن استلهامها من قبل فرق (ألزا الدار البيضاء)، إذ أن أي فعل اعتداء يواجه بصرامة، وتتم معاقبة مقترفه، دون أي تنازل، في إطار القوانين المنصوص عليها بهذا الشأن.
وبفضل تلك الصرامة، أضحى من النادر الحديث عن أعمال مشابهة بالنسبة لشبكة الترامواي، وذلك لأن أي تجاوز يتم التعامل معه في حينه، عبر القنوات القانونية، وهو ما كان له تأثير إيجابي في الحد من أعمال التخريب التي كانت تستهدف مقطورات ترامواي الدار البيضاء، وجعل مرتكبي هذه الأفعال يفكرون ألف مرة قبل أن يقدموا على أي تصرف متهور قد يقودهم خلف أسوار السجن.
وبخصوص هذا الموضوع، أوضح المدير العام لشركة “آلزا البيضاء” المهدي صفوان، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الدفعة الأولى من الحافلات الجديدة (450 وحدة)، المرتقب رفع عددها إلى 700 حافلة مع متم سنة 2021، مجهزة بكاميرات ذات تقنية عالية، لرصد كافة الحركات والتحركات التي تخل بالنظام الداخلي لهذه الناقلات العمومية، وذلك إسهاما في تأمين سيرها العادي في ظل ظروف آمنة ومريحة.
وعن أهمية تلك الكاميرات المثبتة داخل الحافلات في ردع أعمال التخريب والشغب، أبرز أنها تخضع للمراقبة الآنية من خلال منصة للمراقبة بالمقر المركزي للشركة، وبإمكان سائق الحافلة التواصل مع القائمين عليها لتسهيل عملية التدخل عند الحاجة للحد من الاختلالات والتصدي لمحاولات عرقلة السير المحتملة.
وأضاف أن هذا الأسطول من الجيل الجديد يتوفر على كل ما يصبو إليه مستعملو هذه الحافلات، بما في ذلك طبيعة المحركات من طراز “أورو 6” التي تحد من انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون، فضلا عن كونها مزودة بالمكيفات الهوائية وبخدمة “الويفي”، الى جانب تقنيات أخرى تسمح للركاب بالتنقل دون الإحساس بعناء السفر بين مختلف الخطوط التي ارتفع عددها هذه السنة إلى 57 خطا.
ونظرا للخصائص التي تميز الحافلات الجديدة بالدار البيضاء، يرى هذا المسؤول أن استعمال مثل هذه الحافلات بالعاصمة الاقتصادية يشكل قفزة نوعية سواء من حيث جودة الخدمات أو عدد الخطوط التي تعززت بعشر خطوط إضافية لفائدة الجماعات والأحياء المستفيدة لأول مرة من خدمة النقل عبر الحافلات.
ومن جهة ثانية، فإن الأسطول الجديد، الذي كلف اقتناؤه غلافا استثماريا بقيمة 4ر1 مليار درهم، كما جاء في تصريح مماثل لنبيل بلعابد المدير العام لشركة “الدار البيضاء للنقل”، سيؤمن النقل الجماعي على مستوى 18 جماعة تدخل في نطاق النفوذ الترابي لمؤسسة التعاون بين الجماعات “البيضاء”.
وأضاف أن الفضل في إخراج هذا المشروع التنموي إلى حيز الوجود يعود لكل من الدولة عبر صندوق مواكبة إصلاحات النقل الحضري والشركة المفوض لها وكذا مجلس جهة الدار البيضاء-سطات وجماعة الدار البيضاء، الذين ساهموا في تغطية كافة الخطوط، التي روعي في توزيعها بالأساس وضعية الأحياء التي تشكو خصاصا كبيرا، ولاسيما بالمناطق المستقبلة للساكنة في إطار عمليات إعادة الإسكان ضمن برامج القضاء على دور الصفيح ومعالجة وضعية الدور الآيلة للسقوط.
وستغطي الخطوط الجديدة كلا من جماعات سيدي موسى بن المحجوب وسيدي موسى بن علي والشلالات وبن يخلف بعمالة المحمدية وسيدي حجاج وطيط مليل والمجاطية أولاد الطالب بإقليم مديونة ومدينة النصر (أولاد صالح) والخيايطة (أولاد عزوز) والزاوية والمنطقة الصناعية بإقليم النواصر فضلا عن أحياء السالمية 1 والسالمية 2 والمنطقة الصناعية لسيدي البرنوصي.
ويشار إلى أن اقتناء هذا الأسطول من الحافلات يأتي تنفيذا لمقتضيات عقد التدبير المفوض الموقع في 31 أكتوبر 2019 من طرف كل من مؤسسة التعاون بين الجماعات “البيضاء” من جهة وشركة “آلزا” المفوض لها من جهة أخرى، والذي يمتد على عشر سنوات قابلة للتمديد.
ومن المنتظر أن تساهم هذه الشبكة المهيكلة للحافلات في نقل نحو 350 مليون راكب في السنة، وفي تحقيق التكامل والاندماج مع باقي وسائل النقل بالمدينة من قبيل الطرامواي والحافلات ذات الخدمة المرتفعة، وبالتالي الاستجابة للحاجيات المعبر عنها بإلحاح من قبل الساكنة، وخاصة في ظل ظروف اتسمت مؤخرا بتداعيات جائحة (كوفيد 19).
ويذكر أن شركة “ألزا للنقل”، المتواجدة حاليا ومنذ 20 سنة بالعديد من المدن المغربية ( مراكش وأكادير وطنجة وخريبكة والرباط- سلا- تمارة )، سبق لها قبل ذلك أن بدأت في المرحلة الأولى (فاتح نونبر2019 إلى 31 دجنبر 2020) على مستوى الدار البيضاء بتشغيل 250 حافلة من مخلفات شركة “مدينة بيس” التي انتهى عقدها في أكتوبر الماضي، لتشرع بعدها في تشغيل مؤقت وبشكل تدريجي لنحو 400 حافلة مستعملة، قبل قيامها مؤخرا بتجديد وحدات أسطولها بالكامل.