مرة أخرى تثير منظمة الصحة العالمية الجدل بتصريحات يبدو أنها غير مستندة لأسس علمية رصينة بشأن طرق انتشار فيروس (كورونا) المستجد، لتضاف بذلك إلى سلسلة تصريحات أطلقتها المنظمة الدولية في أوقات سابقة وتسببت في اهتزاز مكانتها على الصعيد العالمي.
وكانت مسؤولة رفيعة المستوى في المنظمة قالت، الاثنين الماضي، إن انتقال العدوى من مصابين ب (كوفيد-19) لا تظهر عليهم أعراض المرض أمر “نادر جدا”.
وذكرت ماريا فان كيرخوف، وهي رئيسة وحدة الأمراض الناشئة والأمراض الحيوانية المنشأ في المنظمة، أنه “بحسب البيانات المتوفرة (لدى المنظمة) لا يزال من النادر أن ينقل شخص لا تظهر عليه أعراض المرض إلى شخص آخر”.
وأثارت تصريحات كيرخوف ردود فعل كثيرة في الأوساط العلمية، حيث رفض خبير الأوبئة والمستشار الصحي للبيت الأبيض الدكتور أنتوني فاوتشي هذا الاستنتاج وقال إن الدلائل تشير إلى أن نحو 25 إلى 45 في المئة من المصابين ليس لديهم أعراض على الأرجح.
وأضاف الطبيب، الذي يرأس المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، أن هؤلاء “يمكن أن ينقلوا المرض إلى شخص غير مصاب حتى عندما لا تظهر عليهم أعراض، لذا فإن الإدلاء ببيان يقول إن هذا أمر نادر لم يكن صحيحا”.
وقبل ذلك، كتب الأستاذ الجامعي جيلبير دوري، من مستشفى بيتييه سالبيتريير في باريس عبر (تويتر)، أول أمس الثلاثاء، “خلافا لما أعلنته منظمة الصحة العالمية، من غير الممكن علميا التأكيد أن المصابين بمرض سارس-كوف-2 (كوفيد-19) ممن لا تظهر عليهم أي أعراض لا ينقلون العدوى بدرجة كبيرة”.
وقال أستاذ علم الأوبئة السريرية في جامعة “لندن سكول أوف هايجين أند تروبيكل ميديسين” ليام سميث إنه “فوجئ كثيرا” بتصريحات المسؤولة في منظمة الصحة العالمية.
وأضاف “لا تزال هناك ضبابية علمية، غير أن الإصابة من دون أعراض قد تشمل 30 في المائة إلى 50 في المائة من الحالات. وتدفع أفضل الدراسات العلمية إلى الاعتقاد بأن ما يصل إلى نصف المصابين انتقلت إليهم العدوى من أشخاص لا تظهر عليهم أعراض أم لديهم أعراض في مراحلها الأولية”.
دفع هذا الجدل بماريا فان كيرخوف إلى كتابة تغريدة جديدة عبر تويتر لتوضيح موقفها، وأشارت إلى أن ما ذكرته “كان يستند إلى بضع دراسات لا يتخطى عددها الاثنين أو الثلاث”.
وقالت “لم أكن أتحدث عن سياسة معتمدة لدى منظمة الصحة العالمية”. وأضافت “استخدمت عبارة (نادر جدا) وأظن أن القول إن انتقال العدوى من مصابين لا تظهر عليهم أعراض أمر نادر جدا في العموم هو سوء فهم. ما كنت أشير إليه هي نتيجة الدراسات”.
وهذه ليست المرة الأولى التي تثير فيها منظمة الصحة العالمية الجدل عند نشر معلومات تتعلق بفيروس كورونا، حيث لا يكاد يخلو شهرا من تصريحات يطلقها مسؤولون في المنظمة ومن ثم يتم التراجع عنها وهذه أبرزها:
أولا: نشرت منظمة الصحة العالمية يوم الجمعة الماضي تحديثا لإرشاداتها شمل توصية للحكومات بمطالبة الناس بارتداء كمامات الوجه المصنوعة من القماش في الأماكن العامة للمساعدة في الحد من انتشار وباء (كوفيد-19).
لكنها كانت قالت في السابق إنه لا يوجد دليل يدعم أو يدحض استخدام الأصحاء للكمامات، وكانت توصي دوما بقصر استخدامها على الأشخاص المصابين ومن يقدمون لهم الرعاية.
ثانيا: في 14 يناير قالت المنظمة إن التحقيقات الأولية التي أجرتها الصين لم تقترح دليلا واضحا على انتقال الفيروس من شخص لآخر، معتمدة بذلك على المعلومات التي يطلقها المسؤولون الصينيون.
لكن ذلك لم يكن صحيحا على الاطلاق حيث تبين أن المنظمة كانت تجامل بكين، لينتشر الوباء بعدها بشكل كبير في مختلف دول العالم، ومن ثم نشرت المنظمة تحديثا لطرق انتشار الفيروس أشارت فيه إلى إمكانية انتقاله عبر البشر.
ثالثا: في 23 يناير قالت منظمة الصحة العالمية إن من السابق لأوانه “إلى حد ما” إعلان فيروس كورونا الجديد حالة طوارئ عالمية تدعو للقلق الدولي.
واستغرق الأمر ما يقرب من ثلاثة أشهر حتى تشعر المنظمة أن انتشار الفيروس هو جائحة، حيث أعلنت ذلك في 11 مارس، رغم دعوات الكثير من العلماء وخبراء الأوبئة لاعتماد هذه الخطوة في وقت مبكر.
في حينه كانت الإصابات والوفيات نتيجة الوباء قد وصلت لمستويات عالية في معظم دول العالم وبالتالي بات من الصعب إيقاف انتشاره.