تعزيز تخليق العمليات الانتخابية أبرز رهانات انتخابات 2026

26 ديسمبر 2025آخر تحديث :
تعزيز تخليق العمليات الانتخابية أبرز رهانات انتخابات 2026
(آش 24)///

يشكل تعزيز وتحصين قواعد تخليق العمليات الانتخابية أحد أبرز رهانات الاستحقاقات التشريعية لسنة 2026. وتنخرط المنظومة المؤطرة للإنتخابات في هذا التوجه الذي يشكل امتدادا للمستوى المتقدم الذي بلغه المغرب في تدبير الاستحقاقات الانتخابية، وانسجاما مع الإرادة السياسية الرامية إلى ترسيخ انتخابات شفافة ونزيهة تعكس الإرادة الحقيقية للناخبين.

ويأتي هذا المسعى إلى جانب رهان تعزيز تمثيلية الشباب والنساء داخل المؤسسة التشريعية، بما يعزز مكانة البرلمان كمؤسسة تمثيلية قادرة على رفع التحديات ومسايرة تطلعات مختلف الفئات الاجتماعية.

فتخليق الحياة الانتخابية شكل دائما مطلبا أساسيا للأحزاب السياسية. كما أن السياق الوطني الحالي، لاسيما بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 2797 الذي يكرس نهائيا سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، يعزز الحاجة إلى مؤسسات تمثيلية قوية وذات مصداقية.

ويهدف هذا التوجه إلى رد الاعتبار للفاعل السياسي وإعادة الثقة بين المواطنين والمؤسسات المنتخبة، عبر آليات تؤسس لثقافة النزاهة وتقطع مع مختلف الاختلالات التي قد تشوب العملية الانتخابية.

وتستلهم المقتضيات الجديدة للمنظومة الانتخابية من التجارب الانتخابية السابقة، وكذا من الممارسات المعمول بها في الديمقراطيات العريقة. ومن أبرز هذه المقتضيات منع ترشح الأشخاص المتابعين في حالة تلبس أو المدانين ابتدائيا أو استئنافيا في جرائم محددة. فكل مترشح يتم ضبطه في حالة تلبس بارتكاب إحدى الجرائم ذات الصلة بالمروءة والأخلاق والاستقامة وسلامة الذمة، أو الجرائم الماسة بصدقية العملية الانتخابية، يتم رفض ترشيحه أو إلغاؤه إذا تم الضبط بعد إيداع الترشيحات.

أما الأشخاص الذين صدرت في حقهم أحكام ابتدائية بالإدانة في جناية، فيفقدون أهليتهم الانتخابية بشكل فوري نظرا لجسامة الأفعال المرتكبة، بينما يمنع الأشخاص المحكوم عليهم استئنافيا بإدانة تفقدهم الأهلية من الترشح بدورهم. ويمكن التأكيد على أن اعتماد حالة التلبس كمانع للترشح لا يمس بقرينة البراءة، بل يعد إجراءا احترازيا لحماية المصلحة العامة وتنزيه المؤسسة التمثيلية من كل شبهة.

وتبرز المنظومة خصوصية حالة التلبس حيث تتوفر أدلة قوية على ارتكاب الفعل، سواء عبر شهادة الشهود أو التسجيلات أو وجود أدوات الجريمة أو آثارها على المتهم، ما يجعل هذا الإجراء منسجما مع أنظمة قانونية مقارنة تعطي الأهمية ذاتها لحماية المؤسسات المنتخبة. وفي السياق نفسه، يتيح التشريع الفرنسي للقاضي الجنائي منع المحكوم عليه ابتدائيا من الترشح لمدة تصل إلى خمس سنوات، بينما يمنع القانون الكندي المدانين القابعين في السجون من الترشح. كما يعتمد التشريع البرازيلي منع الترشح لمدة ثماني سنوات لفئات من الجرائم الخطيرة.

ومن بين المستجدات أيضا تمديد مدة المنع من الترشح بالنسبة للمنتخبين المعزولين من مسؤوليات انتدابية، من خلال رفع مدة الحرمان من الترشح إلى دورتين انتخابيتين كاملتين، وذلك بهدف الحد من عودة أشخاص عزلوا بسبب مخالفات جسيمة إلى مناصب المسؤولية بسرعة، وحث المنتخبين على التحلي بالنزاهة في تدبير الشأن العام.

كما تنص المنظومة على تشديد العقوبات المرتبطة بالجرائم الانتخابية، حيث تم تعديل 28 مادة من أصل 32، مع مضاعفة العقوبات السالبة للحرية والغرامات المالية، وإعادة تكييف بعض الجنح إلى جنايات بالنظر لخطورتها. وتأتي هذه الإجراءات في إطار ردع كل محاولات المس بسلامة التصويت أو نزاهة النتائج.

وفي ظل التطور الكبير لوسائل التواصل الحديثة وما تتيحه من إمكانيات للاستعمال غير المشروع، تم تجريم استخدام شبكات التواصل الاجتماعي وأدوات الذكاء الاصطناعي والمنصات الإلكترونية في ارتكاب جرائم انتخابية، سواء عبر بث محتويات مزيفة أو نشر أخبار زائفة أو تركيب صور أو أقوال بقصد التشهير بالمترشحين أو المس بخصوصيات الناخبين. وحددت العقوبات بين سنتين وخمس سنوات سجنا وغرامات مالية تصل إلى 100 ألف درهم. كما يعاقب بنفس العقوبة كل من استخدم الوسائط الحديثة لنشر إشاعات أو أخبار كاذبة للتشكيك في نزاهة الانتخابات.

إن التجريم هنا لا يستهدف حرية التعبير أو نشر الوقائع الصحيحة، وإنما يخص حصرا بث الأخبار الزائفة والمعلومات المفبركة التي قد تؤثر على ثقة المواطنين في العملية الانتخابية أو تشوه صورة المترشحين، انسجاما مع تحذيرات التقارير الدولية من مخاطر التضليل الرقمي وتأثيره على الديمقراطيات.

وفي السياق ذاته، تم تجريم نشر الإعلانات السياسية المؤدى عنها على منصات أجنبية، حماية للعملية الانتخابية من التأثيرات الخارجية والممارسات التي قد تمس بسيادة القرار الانتخابي. كما تم التنصيص على عدم إمكانية اللجوء إلى العقوبات البديلة بالنسبة للجنح المرتكبة أثناء انتخاب أعضاء مجلس النواب.

ولتعزيز شفافية عملية التصويت، تضمنت المستجدات الانتخابية مقتضى جديدا يقضي بأن يتم التصويت داخل معزل مكشوف من الجهة المقابلة لأعضاء مكتب التصويت وممثلي المرشحين، وذلك لمنع أي سلوك يمكن أن يمس بسرية التصويت، مثل تصوير ورقة الاقتراع أو التأثير على سير العملية داخل مكاتب التصويت.

وبذلك تقدم المنظومة الانتخابية لسنة 2026 إطارا قانونيا شاملا لتقوية النزاهة الانتخابية وحماية العملية الديمقراطية، عبر إجراءات توازن بين حماية الحقوق الفردية وصون العملية الانتخابية من الشبهات والاختلالات، وتوفير بيئة انتخابية نزيهة تعزز ثقة المواطنين في المؤسسات المنتخبة وتحص ن المسار الديمقراطي الوطني.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق