يشكل مشروع ميناء الداخلة الأطلسي أحد أبرز الأوراش المهيكلة التي تجسد الرؤية الملكية السامية الرامية إلى جعل الأقاليم الجنوبية للمملكة، فضاء للتنمية المستدامة والاندماج والتكامل الاقتصاديين مع عمقها الإفريقي.
ويمثل هذا المشروع العملاق، الذي يندرج في إطار البرنامج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، الذي أطلقه صاحب الجلالة الملك محمد السادس سنة 2015، تحولا استراتيجيا يرتقي بجهة الداخلة وادي الذهب، إلى مركز إقليمي للصناعات البحرية والتجارة الدولية والطاقات المتجددة.
وفي هذا الصدد، وبمناسبة الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، يقول أحمد كثير، المدير بالنيابة للمركز الجهوي للاستثمار بجهة الداخلة – وادي الذهب، إن مشروع ميناء الداخلة الأطلسي يعد أحد أهم المشاريع البنيوية في الجهة، مضيفا أن هذا المشروع، الذي ي رتقب الانتهاء من أشغاله مع متم سنة 2028، على أن تبدأ مرحلة التشغيل مطلع 2029، يهدف إلى تعزيز مكانة الجهة كقطب صناعي وتجاري وطاقي رائد.
وأوضح كثير، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الميناء الأطلسي سيكون بمثابة منصة حيوية للربط التجاري بين أفريقيا، وخاصة دول الساحل، وباقي دول العالم، بما في ذلك أوروبا والأمريكتين.
وشدد على أن المشروع يأتي لدعم المبادرة الملكية الأطلسية من خلال توفير منفذ بحري يعزز التنمية الاقتصادية لدول الساحل الإفريقي ويدعم اندماجها في الاقتصاد العالمي.
كما أبرز أن الميناء سيساهم في تطوير الصناعات المحلية، لاسيما الصناعات الغذائية التحويلية وتثمين المنتجات البحرية، من خلال تسهيل عمليات التصدير نحو الأسواق العالمية، إضافة إلى كونه ركيزة أساسية في منظومة تصدير الهيدروجين والأمونياك الأخضر، مما يعزز الدور الطاقي للمغرب والجهة على وجه الخصوص.
من جانبه، يرى المستثمر الفلاحي محمد فاضل اهويبة أن ميناء الداخلة الأطلسي سي حدث نقلة نوعية في الاقتصاد الاقليمي من خلال ربط الفلاحة باللوجستيك البحري وتسهيل الولوج إلى الأسواق الإفريقية والأوروبية.
ويعتبر أن المشروع سيساهم عبر ثلاثة محاور أساسية في دعم التنمية الفلاحية، ويتعلق الأمر بتسهيل الولوج للأسواق من خلال اختصار المسافات الزمنية لنقل المنتجات الفلاحية، وخلق مناطق صناعية مجاورة للميناء خاصة بتلفيف وتثمين المنتجات الفلاحية والخضر والفواكه الموجهة للتصدير، وتشجيع الاستثمار والتنمية المجالية بفضل البنيات التحتية المينائية والطريق السريع تيزنيت–الداخلة.
وأضاف أن الميناء سيشكل جسرا استراتيجيا يربط بين أوروبا وعمق القارة الإفريقية، ما يعزز موقع المملكة كلاعب محوري في التجارة الإقليمية والدولية، ويتيح فرصا جديدة للتشغيل وتحفيز المقاولات المحلية.
أما بوشعيب قيري، المدير الجهوي للصناعة والتجارة بجهة الداخلة – وادي الذهب، فيرى أن مشروع ميناء الداخلة الأطلسي يمثل ركيزة محورية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للجهة، وبوابة استراتيجية للمغرب نحو إفريقيا.
وأوضح أن المشروع يروم ترسيخ مكانة الداخلة كمنصة تجارية وصناعية ولوجستية تسه ل المبادلات بين المغرب وإفريقيا وأوروبا وأمريكا، مشيرا إلى أن الميناء من المتوقع أن يعرف رواجا يناهز 35 مليون طن سنويا من السلع والبضائع.
ولفت إلى أن الميناء يتألف من ثلاثة مكونات رئيسية: وهي مكون الصيد البحري الموجه لدعم الأسطول البحري والمبادلات المرتبطة بالمنتوجات السمكية، ومكون المبادلات التجارية (الاستيراد والتصدير)، ومكون الصناعة والصيانة الذي سيجعل الداخلة مركز ا إقليميا لصناعة وصيانة البواخر.
كما أبرز قيري أن المشروع يواكب بتهيئة عقارات مجاورة مخصصة لإنشاء مناطق صناعية متخصصة في تثمين منتجات الصيد البحري وأنشطة الصناعات المتنوعة، إضافة إلى مناطق لوجستية متكاملة لدعم المبادلات التجارية والصناعية، مما سيخلق فرصا مهمة للشغل ويساهم في رفع الناتج الداخلي الخام الوطني. من جانبه، أكد محمد أفنيش، المدير العام لغرفة التجارة والصناعة بمونبيليه (فرنسا)، أن جهة الداخلة – وادي الذهب باتت تحظى باهتمام متزايد من قبل المستثمرين الدوليين، وخاصة الفرنسيين، لما توفره من استقرار سياسي، ورؤية تنموية بعيدة المدى، وبنيات تحتية حديثة.
وأشار إلى أن الجهة تمتلك إمكانات هائلة في مجالات النقل البحري، واللوجستيك، والطاقة الخضراء، والسياحة المستدامة، والصناعات الغذائية الزراعية، مبرزا أن ميناء الداخلة الأطلسي سيكون “رافعة رئيسية للتحول الاقتصادي واللوجستي في المنطقة”.
وأضاف أن الميناء الأطلسي، بمجرد تشغيله، “لن يسهم فقط في تعزيز انفتاح الجهة على العالم، بل سيصبح أيض ا مركزا لوجستيا صديقا للبيئة ينسجم مع الطموحات الوطنية في مجال التنمية المستدامة”.
من الواضح إذن، أن ميناء الداخلة الأطلسي ليس مجرد بنية تحتية ضخمة، بل هو مشروع سيادي استراتيجي يؤسس لتحول عميق في المشهد الاقتصادي المغربي، خاصة في جهاته الجنوبية.
ومع حلول الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، يأتي مشروع ميناء الداخلة الأطلسي كأحد أبرز رموز النهضة المغربية الجديدة في الأقاليم الجنوبية، وتتحول معه الداخلة إلى قطب تنموي عالمي يجسد مبدأ السيادة الاقتصادية والاندماج الإفريقي، ويترجم الرؤية المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس في بناء مغرب المستقبل.














