بمناسبة الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة، يستعيد الإعلامي والكاتب الصديق معنينو أقوى لحظات هذه الملحمة والتعبئة الوطنية التي واكبتها، وكذا التغطية الإعلامية التي نقلت مختلف أطوارها.
ويعتبر الصديق معنينو الذي كان حينئذ يشتغل صحافيا بالتلفزة المغربية، أحد الوجوه الإعلامية المغربية التي تتبعت مجريات تنظيم هذا الحدث التاريخي العظيم ، وهذه المحطة الخالدة في مسار استكمال الوحدة الترابية للمملكة.
وفي حوار خص به وكالة المغرب العربي للأنباء، يتذكر معنينو، الخطاب الذي وجهه جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني إلى الأمة يوم 16 أكتوبر من سنة 1975، والذي أعلن فيه عن تنظيم مسيرة سلمية صوب الصحراء، والتي اعتبرها بمثابة عبقرية سياسية، أدهشت العالم لسلميتها وتفردها وتنظيمها المحكم.
وبعد أن استحضر السياقات السياسية التي أحاطت بهذه المسيرة، ذكر السيد معنينو بالرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية التي أكدت أن الصحراء لم تكن أرضا خلاء قبل مجيء الاستعمار الإسباني، مبرزة في المقابل وجود روابط قانونية وأواصر بيعة بين سلاطين المغرب وساكنة الصحراء.
ولا يزال راسخا في ذاكرة هذا الإعلامي الرجة التي أحدثها الإعلان عن تنظيم المسيرة الخضراء، إذ انبهرت الصحافة الدولية، يقول المتحدث، بتنظيم مسيرة سلمية سلاحها الوحيد الروح الوطنية والإيمان بعدالة القضية الوطنية.
ويحكي معنينو أنه بعد هذا الإعلان، هب آلاف المتطوعين، الذين قدموا من المدن والقرى والجبال، بكثافة لتسجيل أسمائهم.
وسجل أنه في اليوم الموالي للإعلان عن تنظيم المسيرة الخضراء، بلغ عدد المتطوعين الذين سجلوا أنفسهم للمشاركة في المسيرة الخضراء 95 ألف متطوع، وهو ما عكس قوة الخطاب الملكي والاستعداد العفوي للمغربيات والمغاربة للدفاع عن وحدة بلدهم غير القابلة للتجزئة.
وأبرز معنينو أن العدد النهائي للمواطنين المشاركين في هذه الملحمة حدد في 350 ألف متطوع، من بينهم 35 ألف امرأة، شدوا الرحال بإرادة وعزيمة، وساروا جميعهم بنظام وانضباط كبيرين صوب الأقاليم الجنوبية في جو مهيب يسوده تضامن مطلق نال إعجاب وتقدير المتتبعين.
ومن جميع أقاليم المملكة، يضيف المتحدث ذاته، تطوع أطباء وممرضين وأئمة ومرشيدين، وكذا منشطين، كما تم توفير سيارات إسعاف رهن إشارة المشاركين.
وسجل أن الأجواء في المغرب قاطبة سادتها روح وطنية كبيرة، حيث تكتل المغاربة لدعم المشاركين في المسيرة الخضراء و”ظلت المساجد مفتوحة صباح مساء ترفع فيها أكف الضراعة بالدعاء لحماية المتطوعين ونصرة الوطن”.
وحتى تمر هذه الملحمة على نحو أفضل، بحسب السيد معنينو، وفرت السلطات العمومية للمتطوعين الخيام وكل الاحتياجات اليومية من ملبس ومأكل وأدوية وغيرها.
وبخصوص التغطية الإعلامية للمسيرة الخضراء، يردف معنينو، أصبح المغرب وجهة تقاطرت عليها وسائل الإعلام الأجنبية من كل حدب، حيث توافد مراسلون ومصورون لتوثيق مجريات هذا الحدث التاريخي الكبير.
وجاء يوم الخامس من نونبر، حيث خاطب الملك الراحل الحسن الثاني جموع المتطوعين والشعب المغربي معلنا انطلاق المسيرة الخضراء في اتجاه الصحراء صبيحة اليوم الموالي الذي كان يوما مشهودا محفورا في ذاكرة كل من عاش هذا الحدث من قريب أو بعيد.
ويستحضر معنينو هذه اللحظة التاريخية بقوله إن جلالة المغفور له الحسن الثاني استهل خطابه بقول الله تعالى “فإذا عزمت فتوكل على الله”، وتابع قائلا، موجها كلامه للمتطوعين ومن خلالهم للشعب المغربي قاطبة الذين كانوا يتابعون الخطاب عبر أجهزة الراديو “شعبي العزيز.. غدا إن شاء الله ستخترق الحدود، غدا إن شاء الله ستنطلق المسيرة الخضراء، غدا إن شاء الله ستطؤون أرضا من أراضيكم وستلمسون رملا من رمالكم وستقبلون ثرى من وطنكم العزيز”.
وأبرز أن جموع المتطوعين المحتشدة، التي كانت تنتظر يوم الانطلاق، صدحت حناجرها بالتكبير والزغاريد مرددة شعارات “عاش الملك” و”الصحراء مغربية”.
وفي السادس من نونبر سنة 1975، يخلص معنينو، انطلقت جماهير المتطوعين من كل فئات وشرائح الشعب المغربي، ومن سائر ربوع الوطن، بنظام وانتظام صوب الأقاليم الجنوبية للمملكة لتحريرها، بقوة الإيمان وبشكل حضاري وسلمي فريد من نوعه.














