أكد المندوب السامي للتخطيط، شكيب بنموسى، اليوم الاثنين بالرباط، أن إنتاج البيانات المحلية الموثوقة والمفصلة يشكل رافعة أساسية للتنمية الترابية بالمغرب.
وأوضح بنموسى، في كلمة خلال الجلسة الافتتاحية لندوة نظمتها المندوبية السامية للتخطيط بشراكة مع بنك المغرب وصندوق الأمم المتحدة للسكان بمناسبة اليوم العالمي للإحصاء، أنه “انسجاما مع التوجيهات الملكية السامية الداعية إلى ترسيخ ثقافة النتائج القائمة على جمع معطيات ميدانية دقيقة واستعمال التكنولوجيات الرقمية، يفرض إنتاج البيانات المحلية الموثوقة والمفصلة نفسه اليوم كرافعة أساسية للتنمية الترابية”.
وأضاف أن هذا النهج يضع الإحصائيات في صميم الحكامة العمومية، دعما للجهوية المتقدمة والإنصاف الاجتماعي والعدالة المجالية، في اتساق تام مع شعار اليوم العالمي للإحصاء لسنة 2025 “قيادة التغيير بإحصاءات وبيانات عالية الجودة لفائدة الجميع”.
وأشار بنموسى إلى أن التحدي لم يعد يقتصر على زيادة الإنتاج الإحصائي فحسب، بل يكمن أيضا في إنتاج مؤشرات للتتبع، واستخلاص بيانات ذات صلة ومتاحة وقابلة للاستغلال، قادرة على توجيه الفاعلين الجهويين ومواكبة ديناميات التنمية الترابية.
وأكد أن هذا التحدي “ليس حكرا على المندوبية السامية للتخطيط، بل يعتبر أيضا تحديا جماعيا لأنه يشمل المنتجين الآخرين للإحصائيات الرسمية والمستخدمين لها في ما يتصل بالإجراءات العمومية وقضايا التنمية”.
وشدد المندوب السامي للتخطيط على أن الإحصائيات العمومية تمثل أداة استراتيجية للسيادة والحكامة، في خدمة الشفافية والنجاعة والتقدم الجماعي، مشيرا إلى أن “المندوبية تنخرط بشكل كامل في هذه الدينامية بطموح يتمثل في تعزيز مساهمتها في الحكامة العمومية، من خلال توفير التحليلات الاستشرافية، ومواكبة التخطيط الترابي، وإدماج متطلبات التنمية المستدامة في السياسات الوطنية”.
وسجل بنموسى أن المؤسسات المنتجة للبيانات مدعوة مجتمعة إلى التكيف مع بيئة دائمة التطور، تتسم بالثورة الرقمية، وتنويع مصادر المعلومات، وتزايد متطلبات الشفافية والأخلاق والفعالية.
وأضاف أن المندوبية تعمل بدعم من شركائها، وانسجاما مع المعايير الدولية المعمول بها، على إنجاز هذا التحول الاستراتيجي للانتقال إلى إحصاء حديث، في خدمة التنمية واتخاذ القرار المستنير، من خلال تحديث وإعادة هيكلة جهازها العملياتي، مبرزا أن هذه العملية تتجسد من خلال العديد من الأوراش الكبرى.
وتشمل هذه الأوراش، وفقا لبنموسى، التحديث والهيكلة التنظيمية والمنهجية، ودينامية تشاركية مع المنظومة الوطنية والدولية، والتكيف مع عصر الرقمنة والذكاء الاصطناعي، فضلا عن التزام إرادي بسياسة الانفتاح وتثمين البيانات.
وبالموازاة مع ذلك، أشار إلى أن المغرب، ورغم توفره على قاعدة إحصائية متينة تشهد تطورا متواصلا، إلا أنه لا يزال يواجه عددا من التحديات الهيكلية التي تحد من الاستغلال الأمثل للبيانات، من بينها عدم مواكبة الإطار القانوني المنظم للعمل الإحصائي لمتطلبات الحكامة الحديثة المبنية على البيانات، والتغطية الموضوعاتية غير الشاملة، والتفصيل الترابي للبيانات الذي لا يرقى إلى مستوى احتياجات التخطيط العمومي.
كما أبرز بنموسى الإمكانات الكبيرة التي توفرها البيانات غير التقليدية، التي يمكن أن يسهم استثمارها في بلوغ مستويات أعلى من التفصيل، وتعزيز دقة وملاءمة وسرعة استجابة المنظومة الإحصائية، مشيرا إلى أن فرص ومزايا الذكاء الاصطناعي لا تزال غير مستغلة بالشكل الكافي، إلى جانب قصور الثقافة الإحصائية لدى فئات من المجتمع وحتى داخل بعض المؤسسات، مما يؤدي أحيانا إلى التشكيك أو الجدل غير المبرر عند نشر الأرقام الرسمية.
وفي السياق ذاته، اعتبر المندوب السامي للتخطيط أن اليوم العالمي للإحصاء يشكل محطة مميزة للمغرب لتقييم منظومته الإحصائية الوطنية، وتثمين مكتسباتها، وتعزيز دينامية جماعية موجهة نحو التقدم.
وأكد أن هذه المقاربة تهدف إلى تطوير أساليب الحكامة العامة، من خلال تعزيز الارتباط بسياسات قائمة على النتائج وتستند إلى الأدلة والبراهين، مبرزا أن الأمر يتعلق ببناء جماعي تشاركي يقتضي انخراط جميع الأطراف المعنية لتجاوز التحديات القائمة، وضمان اضطلاع الإحصاءات ذات الجودة بدورها الكامل كرافعة لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الترابية.
وأضاف أن تعزيز النظام الإحصائي الوطني يشكل مشروعا جماعيا وهيكليا يتطلب التنسيق والانضباط والرؤية بعيدة المدى، بالإضافة إلى رؤية استشرافية موجهة نحو المستقبل.
وشدد بنموسى على أن السنوات القادمة ستكون حاسمة لترسيخ ثقافة البيانات في مختلف مجالات العمل العمومي، وتعزيز قابلية التفاعل بين المؤسسات، وترسيخ حكامة منفتحة ومستنيرة ومستندة إلى الأدلة، مؤكدا أن المندوبية السامية للتخطيط ستواصل بثبات هذه الدينامية التحولية، محافظة على دورها كمرجع وضامن للجودة والتناسق، ومعبئة مختلف الطاقات حول طموح مشترك يتمثل في جعل البيانات ملكا عاما في خدمة المواطن والمجال الترابي والتنمية.
ويأتي تنظيم هذه الندوة، التي جرت جلستها الافتتاحية بحضور والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، وممثلة صندوق الأمم المتحدة للسكان بالمغرب، مارييل ساندر، في سياق يتسم بتحول عميق تعرفه المندوبية السامية للتخطيط، يعكس الطموح الملكي لتوفير معطيات دقيقة تدعم مسار التنمية بالمملكة.
كما تهدف هذه الندوة إلى إرساء فضاء للحوار حول التحديات المستقبلية المتعلقة بالإحصاء الرسمي، وتعزيز التنسيق بين المؤسسات، والانفتاح على المنظومة الأكاديمية والعلمية، بما يسهم في دعم أفضل للسياسات العمومية وتشجيع اتخاذ القرارات المستندة إلى معطيات موثوقة.