فرنسا والصحراء المغربية .. منعطف استراتيجي كبير

16 يوليو 2025آخر تحديث :
فرنسا والصحراء المغربية .. منعطف استراتيجي كبير
(آش 24)///

“حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية”. إنه أكثر من تعبير رسمي عن إرادة سياسية. فموقف فرنسا، الداعم لمغربية الصحراء، أضحى تجسيدا لعقيدتها الدبلوماسية التي تلتزم بالدفاع عنها ودعمها بصوت عال وواضح على الساحة الدولية.

وبالفعل، سيظل يوم 30 يوليوز 2024 محطة بارزة في التاريخ المؤسساتي لفرنسا، التي قطعت، من خلال رسالة وجهها الرئيس إيمانويل ماكرون إلى صاحب الجلالة الملك محمد السادس، مرحلة حاسمة في سياستها الخارجية بإعلان دعمها لمغربية الصحراء، وتأكيدها  على أن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يعد الإطار الوحيد الذي يجب من خلاله حل هذه القضية.

ويمثل هذا الإعلان الصادر عن أعلى سلطة في الجمهورية الفرنسية، العضو الدائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تطورا هاما وبالغ الدلالة في دعم السيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية. كما يندرج في إطار الدينامية التي يقودها جلالة الملك، والتي تحظى بتأييد العديد من الدول عبر مختلف مناطق العالم، دعما للوحدة الترابية للمملكة وللمخطط المغربي للحكم الذاتي كإطار حصري لتسوية هذا النزاع الإقليمي.

وقد تم تجديد التأكيد على الموقف الفرنسي، المدعوم بزخم غير مسبوق على المستوى الدولي، في سياق يتميز بتقدم ملحوظ في قضية الصحراء المغربية على المستويات الدبلوماسية والاقتصادية والمؤسساتية، خلال زيارة الدولة التي قام بها الرئيس ماكرون إلى المملكة في أكتوبر 2024.

وقال رئيس الدولة الفرنسية، في خطاب ألقاه خلال جلسة مشتركة لغرفتي البرلمان المغربي، أجدد التأكيد على ذلك هنا أمامكم. بالنسبة لفرنسا، فإن حاضر ومستقبل هذه المنطقة يندرجان في إطار السيادة المغربية. الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يعد الإطار الذي يجب من خلاله حل هذه القضية”. وعبر الرئيس الفرنسي أيضا، باسم فرنسا، عن الالتزام ب”الوقوف إلى جانب المغرب في الهيئات الدولية”.

ومن ثم، انطلق فصل جديد من العلاقات التي أرادها صاحب الجلالة الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عبر تعبئة كافة الفاعلين، مدعومة بالثقة والالتزام المتبادلين، والطموح المشترك لبناء مستقبل يحمل في طياته طموحات كبرى، كما يجسد ذلك اعتماد المؤسسات الفرنسية لخريطة المملكة المغربية بأكملها بما في ذلك كافة أقاليمها الجنوبية.

وبعد هذه الإنجازات السياسية الكبرى، جاء دور الدبلوماسية الترابية لتجسيد الشراكة الاستثنائية الوطيدة بين البلدين على أرض الواقع، من خلال تبادل الزيارات بين المنتخبين المحليين، وتوقيع اتفاقيات، ومشاريع تعاون لامركزي تركز بالأساس على الأقاليم الجنوبية.

وقد تعززت كل هذه القناعات والتصريحات والقرارات بخطوات ملموسة أخرى، إذ تم خلال زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الفرنسي إلى المغرب، التوقيع على استثمارات بقيمة لا تقل عن 10 ملايير أورو، تشمل العديد من المشاريع التي تم إطلاقها في الأقاليم الجنوبية، فضلا عن تعبئة الفاعلين السياسيين والاقتصاديين الفرنسيين، الذين باتوا يُدرجون الصحراء المغربية ضمن زياراتهم وأجنداتهم للتعاون والشراكة، من بينهم وزيرة الثقافة رشيدة داتي، ورئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه، والمدير العام للوكالة الفرنسية للتنمية، ريمي ريو الذي أعلن عن مخطط استثمارات بقيمة 150 مليون أورو في الأقاليم الجنوبية للمملكة.

وبالنسبة للخبير الجيوسياسي فريدريك إنسيل، فإن دعم فرنسا للسيادة الكاملة للمملكة على صحرائها يستمد جوهره من حقائق تاريخية وقانونية وجغرافية.

وأكد أن مغربية الصحراء، التي تحظى في الوقت الراهن بدعم واسع على الصعيد الدولي، لا سيما من قبل القوى الكبرى، تتعزز على أرض الواقع من خلال جهود تنموية متواصلة جعلت من الجهة قطبا للنمو والاستقرار.

وشدد السيد إنسيل، في تصريح لمكتب وكالة المغرب العربي للأنباء بباريس، على أن المغرب بصدد التحول إلى قوة اقتصادية وسياسية كبرى”، معتبرا أنه من العدل والمشروع تماما دعم المملكة في سعيها نحو السلام واستكمال وحدتها الترابية.

وفي السياق ذاته، أكد الخبير القانوني هوبرت سيان، مؤلف كتاب “الصحراء المغربية، الفضاء والزمان”، أن الموقف الفرنسي الحازم” بشأن القضية الوطنية يتجاوز الإطار الرسمي.

وأضاف أنه إلى جانب هذا الالتزام السياسي القوي، فإن الاستثمارات الضخمة لفرنسا، والتي يوجه جزء كبير منها إلى مشاريع حيوية في الصحراء المغربية، تُعد دليلا على ثبات الموقف الفرنسي بشأن هذا الرهان الجوهري المتعلق بالأمن القومي للمملكة.

واعتبر هذا الخبير في القانون الدولي أن الزخم الدولي الداعم لسيادة المغرب على صحرائه يندرج في إطار التوجه الذي حدده مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في قراراته ذات الصلة، لاسيما القرار 2756 الصادر في 31 أكتوبر 2024، والذي يحدد معالم حل واقعي، دائم وعملي لهذا النزاع المفتعل، على أساس مخطط الحكم الذاتي المغربي.

ويرى العديد من المراقبين في ذلك فرصة لتحقيق سلام دائم قائم على الجمع الوثيق بين الحق، والحقائق التاريخية والجغرافية، والواقع الاجتماعي والاقتصادي، دون أن يحجب ذلك حقيقة أن هناك طريقا واحدا فقط يتيح التبادل بين أوروبا وبلدان جنوب الساحل، وهو ذلك الممتد على طول الواجهة الأطلسية، التي تحمل، بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، آمالا وطموحات نحو فضاء مشترك ومزدهر يعد بمستقبل واعد.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق