يشهد قطاع البناء والأشغال العمومية بالمغرب انتعاشا مضطردا، يدعمه استئناف عمليات تسليم الإسمنت وتسارع وتيرة الأوراش الكبرى للبنيات التحتية، تزامنا مع اقتراب الاستحقاقات الكبرى لسنة 2030.
وبفضل الطلب العمومي واهتمام القطاع الخاص، يعيد هذا القطاع ترسيخ مكانته كرافعة استراتيجية للتنمية الاقتصادية والترابية.
وتؤكد أحدث الأرقام الصادرة عن وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة هذا الزخم، إذ سجلت عمليات تسليم الإسمنت حتى متم شهر ماي المنصرم أزيد من 6 ملايين طن، مسجلة ارتفاعا بنسبة 9.48 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها من السنة الماضية.
ويتعلق الأمر بنمو ملحوظ نوه به مهنيو القطاع، الذين يعتبرونه مؤشرا مهما على انتعاش فعلي.
وفي هذا السياق، أكد رئيس الجامعة الوطنية للبناء والأشغال العمومية، محمد محبوب، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن هذه الدينامية ليست مجرد أثر للتعافي بعد الأزمة، مبرزا أنها تعكس انتعاش الطلب العمومي، الذي تقوده بالأساس المشاريع العمومية الكبرى، من ضمنها البنيات التحتية الرياضية في أفق 2030، والأوراش المائية الكبرى، وبرامج السكن والنقل (مثل القطار فائق السرعة والطرق السيارة)، والمشاريع المينائية وغيرها.
وسجل “عودة تدريجية للطلب الخاص، الذي تحفزه بالخصوص التأثيرات المترتبة عن تنظيم كأس العالم 2030، والذي بدأ يتجسد في عدة جهات، من خلال تسارع مشاريع سكنية، وخدماتية، وسياحية، استجابة للطلب المتنامي على البنيات التحتية للاستقبال والخدمات”.
وفي معرض تطرقه لأبرز مؤشرات هذه الدينامية، ذكر السيد محبوب بالارتفاع الملحوظ لاستهلاك الخرسانة الجاهزة للاستعمال (زائد 22,41 في المائة)، والمنتجات المعدة مسبقا (زائد 18,63 في المائة.)
من جهته، قال المهندس المدني، سمير بوشريط، إن هذا التطور يعكس اللجوء المتزايد للشركات إلى وسائل حديثة، من شأنها تقليص آجال الإنجاز وضمان تدبير أفضل للمشاريع.
وأوضح أن هذا التوجه ذو طابع هيكلي بالأساس، مبرزا أن “المغرب يلج مرحلة استراتيجية جديدة في تطوير بنياته التحتية، سواء في سياق الاستعداد لكأس العالم، أو ضمن رؤية شاملة لتعزيز جاذبيته الاقتصادية”.
وأضاف أن هذه الدينامية تواكب تحديث البنيات التحتية وتوسيعها، من موانئ وسدود ومطارات وطرق وطرق سيارة وقطار فائق السرعة، وقريبا شبكة النقل السككي الحضري في بعض المدن الكبرى، وكلها مشاريع ضخمة ترسم معالم منظومة جديدة، وتمنح المغرب مكانة ضمن مصاف الدول ذات البنيات التحتية العصرية والناجعة.
ماذا عن آفاق تطور قطاع البناء والأشغال العمومية بالمغرب؟
تشير جل المؤشرات إلى أن آفاق تطور قطاع البناء والأشغال العمومية بالمغرب واعدة. وكما أكد رئيس الجامعة الوطنية للبناء والأشغال العمومية، فإن المشاريع المبرمجة تجعل من القطاع ركيزة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للمملكة.
غير أن الأمر يقتضي، حسب محبوب، مواجهة عدد من الصعوبات، من بينها الإطار التنظيمي، وولوج المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة للتمويل، والتأهيل التقني والتكنولوجي، وتحديث منظومة التكوين الأساسي، فضلا عن تبسيط إجراءات ولوج التكوين المستمر.
كما شدد على أهمية الرفع من أداء كافة المقاولات، وتحفيز بروز أبطال وطنيين تنافسيين، وتعزيز إشعاع القطاع على الصعيدين الإقليمي والدولي، في سياق يتسم بتنافسية متزايدة، مجددا استعداد الجامعة لمواكبة هذا التحول، بتنسيق وثيق مع السلطات العمومية وكافة الفاعلين في المنظومة. الأمر ذاته أكده السيد بوشريط، مبرزا أن القطاع يشهد ارتسام ثلاث توجهات كبرى بوضوح.
ويتعلق الأمر، في رأيه، أولا بالتحديث التكنولوجي من خلال اعتماد تقنيات النمذجة الرقمية للمباني (Building Information Modeling)، واللجوء المكثف للمنتجات المعدة مسبقا، وإضفاء الطابع الصناعي على البناء قصد الرفع من الإنتاجية وجودة الأشغال.
كما سلط الضوء على النمو الإقليمي، مبرزا أن هذا التطور لم يعد مقتصرا على محور الدار البيضاء-الرباط-طنجة، بل أصبحت أقطاب كأكادير، ومراكش، وفاس، والجهة الشرقية، والداخلة تعرف بدورها زخما حقيقيا يستدعي توزيعا أفضل للمشاريع والاستثمارات.
أما بشأن التوجه الثالث، فقد استشهد بوشريط بالتحول البيئي العميق، حيث إن “المغرب دخل مسار إزالة الكربون، وقطاع البناء والأشغال العمومية مدعو للانخراط في هذا الورش، من خلال تبني معايير بيئية، وتأهيل الطاقة، واعتماد تدبير مستدام للموارد الطبيعية”.
ويبدو أن قطاع البناء والأشغال العمومية بالمغرب بصدد اتخاذ منعطف حاسم. وبفضل دعم دينامية قوية ومشاريع كبرى، فإن هذا القطاع يبرز كرافعة حقيقية للنمو الاقتصادي، وإحداث فرص الشغل، وتأهيل المجال الترابي.
وسيظل التحديث، والاندماج، والاستدامة، مفاتيح مستقبل سيجهز فيه هذا القطاع بنيات تحتية للغد، ويتجاوز ذلك ليؤكد حضوره باعتباره مكونا تنافسيا ومسؤولا على المستويين الوطني والدولي.