بفضل إشعاع قطب “الصناعات الغذائية”، يبرز الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب، أكثر من أي وقت مضى، كملتقى رئيسي للابتكار في مجال الفلاحة الصناعية.
وخلال هذه الدورة السابعة عشرة، التي نظمت من 21 إلى 27 أبريل بمدينة مكناس، احتلت الفلاحة الصناعية المغربية الصدارة، كاشفة عن دينامية جديدة يقودها التحول التكنولوجي وتكامل سلاسل القيمة.
ويقدم قطب “الصناعات الغذائية” تجربة غامرة في النسيج الإنتاجي الوطني، بمشاركة نشطة للمقاولات الصغرى والمتوسطة، والمجموعات الصناعية الكبرى، والتعاونيات، والمقاولات الناشئة.
ومن المنتجات الطازجة إلى الأصناف الأكثر تطورا (فواكه، خضروات، مشتقات الحليب، اللحوم، الحبوب، الزيوت، التوابل، المشروبات، المنتجات المرقمة والبيولوجية…)، تعرض مئات الابتكارات أمام المهنيين وعامة الزوار.
ويعكس هذا التنوع ثراء التراث الفلاحي الوطني، كما يبرز قدرة المقاولات المغربية على تثمينه بجرأة وذكاء.
ولا يقتصر الأمر على مجرد عرض المنتجات، بل يسلط هذا القطب الضوء على تحول حقيقي في الرؤية. إذ أصبحت الفلاحة الصناعية اليوم رافعة استراتيجية لتحقيق السيادة الغذائية والنمو الاقتصادي، حيث تمثل حوالي 26 في المائة من الناتج الداخلي الخام الصناعي للمملكة.
وتعكس هذه المكانة تطورا حقيقيا لقطاع لم يعد يقتصر على الإنتاج فقط، بل يشمل أيضا التحويل، والتخزين، والحفاظ، والتصدير.
وتستند هذه الدينامية إلى استخدام تكنولوجيات متطورة وتنظيم أكثر نجاعة لسلاسل الإنتاج، بهدف تعظيم القيمة المضافة محليا وضمان دخل أفضل للمنتجين، لاسيما صغار الفلاحين.
ومن خلال تحسين التتبع، وضمان الاستدامة، وجودة المنتجات، تساهم الفلاحة الصناعية أيضا في تعزيز تنافسية علامة “صنع في المغرب” وإشعاعها، سواء داخل السوق الوطني أو على الصعيد الدولي.
ومن بين المقاولات التي برزت خلال هذه الدورة من الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب، تبرز مجموعة “لكسور” التي تجسد هذا الطموح نحو التميز. متخصصة في المطاحن الصناعية، تقدم “لكسور” مجموعة من أنواع الدقيق المبتكر، بما يلبي متطلبات الحرفيين الصناعيين وكذلك حاجيات القطاع الصناعي.
وتشمل منتجاته دقيقا خاصا بالخبز الفرنسي “باغيت”، ودقيقا كاملا جاهزا للاستخدام يتطلب فقط إضافة الماء والملح والخميرة، إضافة إلى دقيق خاص بالمعجنات يتميز بعلو العجينة (ألفيولاج) بشكل مثالي، مما يعكس مستوى عاليا من الإتقان والتطوير المستمر.
كما تقدم مجموعة “لكسور” مستخلصا من نخالة القمح عالي الجودة وذي تجانس مثالي، يهدف إلى تعزيز محتوى الألياف في التحضيرات الغذائية مع الحفاظ على توازن القوام.
وفي نفس القطب، تواصل تعاونية “كوباك”، فاعل بارز في القطاع، تألقها من خلال تقديم مستجدات مبتكرة. حيث أكد مدير التسويق والتواصل، هشام العلوي، أن التعاونية تطرح مجموعة من المنتجات التي تواكب أحدث التوجهات (حليب نباتي 100 في المائة مغربي، ياغورت بدون لاكتوز، حليب مخمر معزز بالبروبيوتيك…).
وأوضح أن “مشاركة كوباك في المعرض تهدف إلى تقديم صورة شاملة لمختلف سلاسل الإنتاج التي تشتغل عليها التعاونية، والتعريف بمنتجاتها الجديدة التي تم إطلاقها خلال هذه السنة”.
واعتبر أن الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب يشكل مناسبة متجددة لتعزيز العلاقات مع الزبائن والموردين والشركاء، كما أنه فرصة لعرض مختلف المشاريع والاستثمارات التي قامت بها التعاونية، والرامية إلى دمج أكبر للإنتاج المحلي في سلاسل التصنيع الحديثة.
ولا تكتمل هذه الدينامية دون التحول الرقمي الذي يشهده القطاع. ففي قطب “الفلاحة الرقمية”، تتنافس الشركات الناشئة في الابتكار، من خلال حلول ذكية لإدارة المخزون، وأدوات لتتبع اللوجستيك، ومنصات لضمان التتبع باستخدام الذكاء الاصطناعي وتقنيات البلوكشين.
وتساهم هذه الابتكارات في تبسيط سلاسل التوريد، وتقليص الخسائر بعد الحصاد، وتعزيز الشفافية، وهي عناصر أصبحت ضرورية في ظل السياق العالمي المتغير.
ويضفي البعد الدولي للملتقى طابعا استراتيجيا إضافيا، حيث تعرض العديد من الشركات القادمة من أكثر من 70 دولة أحدث التكنولوجيات، مثل معدات التحويل والروبوتات الفلاحية، والخدمات اللوجستيكية المتكاملة.
وتسهم هذه التبادلات في نقل الخبرات وتعزيز الابتكار المشترك، مما يكرس مكانة المغرب كمركز إقليمي مرموق للصناعات الفلاحية والغذائية.
ولا يسع المتتبع إلا أن يسجل أن نجاح قطب “الصناعات الغذائية” ضمن فعاليات الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب يعكس بجلاء أن الفلاحة الصناعية المغربية، بما تتميز به من مرونة وإبداع ورغبة حثيثة في دمج كل مقومات التنمية المستدامة، ترسم معالم مستقبل فلاحي أكثر تنافسية، وشمولا، وقدرة على الصمود.
