وجدة: إعادة تأهيل مختلف الأسواق للمساهمة في الدينامية التجارية والاقتصادية للمدينة

13 مارس 2025آخر تحديث :
(آش24)///
(آش24)///

لمحة تاريخية عن التجارة بوجدة

تعتبر مدينة وجدة من أقدم وأهم المدن المغربية التي شكلت على مر العصور محورا تجاريا حيويا، بحيث تعتبر المدينة الألفية، وبفضل تاريخها العريق وموقعها الجغرافي المتميز والذي يجعلها نقطة تقاطع بين الشرق والغرب، معبرا رئيسيا للقوافل التجارية التي كانت تنقل المواد الأساسية مثل الملح، والتوابل، والأقمشة، والتمر، والمعادن النفيسة.

هذه الحركية التجارية جعلت المدينة حاضنة لمجموعة من الأسواق التقليدية كسوق الجمعة وسوق الماء. وهكذا لعبت التجارة دورا هاما في تطوير المدينة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.

ومع قدوم الاستعمار الفرنسي تغير نمط التجارة بالمدينة بشكل جذري، فبرزت المحلات التجارية ذات الطابع الغربي، وبعيد الاستقلال شهدت وجدة تحولا اقتصاديا مهما، حيث تم إنشاء العديد من الأسواق الحديثة والمراكز التجارية لتلبية احتياجات السكان المتزايدة.

 

قطاع التجارة في وجدة بين التحديات والفرص:

 

تقوم التجارة في وجدة على مزيج من الأنشطة التجارية التقليدية والعصرية، وتقدر المساحة التجارية في المدينة بحوالي 315 مترا مربعًا لكل 1000 نسمة، ما يعكس حجم النشاط التجاري الكبير في المدينة.

وفي عام 2022، أسهم قطاع التجارة والخدمات بنسبة 56.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لجهة الشرق، مما يبرز أهمية هذا القطاع في تعزيز الاقتصاد المحلي. ومع النمو الكبير في عدد نقاط البيع، التي تتجاوز 12.000 نقطة، وتوفيرها لأكثر من 21 ألف منصب شغل.

 

كما تمتلك وجدة شبكة تجارية متنوعة تضم العديد من الأسواق والمراكز التجارية، والتي تشمل:

  • سوق البيع بالجملة للخضر والفواكه؛
  • سوق بيع السمك بالجملة؛
  • 11 سوقًا أسبوعيًا؛
  • 30 سوقًا ومركبًا تجاريًا؛
  • 9 مراكز تجارية متوسطة وكبرى؛
  • 10 محلات متخصصة؛
  • 80 محلاً للعلامات التجارية.

إن أقطاب التجارة في مدينة وجدة ترتكز حول عدة نقاط رئيسية، سواء في وسط المدينة أو على الطرق الوطنية، وتتفاوت هذه الأقطاب من حيث نوعية المنتجات المعروضة وحجم المحلات التجارية.

  • سوق مليلية: بنية حديثة تضم 1190 محلًا تجاريًا، وتختص بالملابس الجاهزة والأحذية، والخياطة، والأجهزة الإلكترونية.
  • أسواق باب سيدي عبد الوهاب وساحة المغرب: تضم نحو 800 محل تجاري، وتركز على بيع الملابس الجاهزة، والأحذية، والمعدات المنزلية، والمواد الغذائية.
  • سوق القدس: بنية متوسطة تحتوي على 136 محلًا تجاريًا، يختص ببيع الأجهزة الإلكترونية مثل الهواتف النقالة والتلفزيونات.
  • مركز بني درار: بنية متوسطة تضم 200 محل تجاري، تشمل المقاهي، والمطاعم، والمواد الغذائية.

وقد ساهم ظهور المراكز التجارية العصرية في تحسين بيئة الأعمال في وجدة، حيث تقدم هذه الأسواق فرصة للتسوق المتنوع والمريح، وتتسم هذه المراكز التجارية بالعديد من المزايا، مثل سهولة الوصول إليها بفضل مواقف السيارات المتوفرة، وتنويع المنتجات التي تقدمها للزبناء.

 

التجارة التقليدية في وجدة: التحديات وآفاق التحسين

 

إن من أبرز المشاكل التي تواجه التجارة التقليدية في وجدة، ضعف التنظيم في بعض الأسواق التقليدية، هذا الضعف يؤثر سلبًا على جاذبية الأسواق وجودة الخدمات المقدمة، حيث تتأثر هذه الأسواق بالمشاكل المتعلقة بالنظافة، تنظيم حركة المرور، والاكتظاظ.

علاوة على ذلك، يشهد قطاع التجارة غير المهيكلة، مثل الباعة المتجولين، انتشارا واسعًا مما يطرح تحديات أمام القطاع التجاري. فالتجارة غير المنظمة تسبب منافسة غير مشروعة وتؤدي إلى ازدحام الطرق، مما يعرقل حركة المرور ويؤثر على جمالية المدينة.

بينما تعد تجارة القرب في الأحياء السكنية، جزءًا أساسيًا في تلبية احتياجات المواطنين اليومية، الا ان هذا القطاع يواجه أيضا تحديات من ضمنها المنافسة من المراكز التجارية الحديثة التي تقدم منتجات متنوعة وبأسعار تفضيلية.

الحلول المقترحة:

 

في إطار السعي لتحسين الوضع التجاري في المدينة، نهجت السلطات المحلية استراتيجية تقوم على ثلاث خطوات، تتجلى الأولى في إعادة تأهيل الأسواق العشوائية وخلق أسواق جديدة، والثانية همت ترحيل الباعة إلى مواقع تجارية منظمة، والخطوة الأخيرة اعتمدت على خلق أسواق أسبوعية جديدة والهادفة إلى تحسين التنظيم التجاري في المدينة، من خلال توفير بيئة تجارية حديثة وآمنة.

 

  1. إعادة تأهيل الأسواق العشوائية وخلق أسواق جديدة

 

خصصت  المبادرة الوطنية للتنمية البشرية 60 م.د قصد إنشاء أسواق نموذجية، بالإضافة إلى توزيع عربات تجارية على 14 نقطة بيع، وإعادة تأهيل 13 سوقًا نموذجيا، استفاد من هذه المشاريع حوالي 3380 شخصًا، إلى جانب مشروع سوق السمك بالتقسيط والذي خصصت له ميزانية بلغت 3 مليون درهم، في خطوة تهدف إلى تعزيز جودة التجارة والمبيعات وتوفير بنية أكثر تنظيمًا وراحة لكل من التجار والمستهلكين.

وفي هذا السياق تواصل السلطات المحلية جهودها في تحسين التنظيم التجاري في المدينة من خلال تطوير أسواق جديدة، مما سيساهم في تحسين تدفق حركة المرور، وتقليل التلوث البيئي والصوتي. كما يسهم هذا التطوير في جذب المزيد من الزوار وتحفيز الاقتصاد المحلي، وتتضمن هذه المشاريع أيضا تحسين البنية التحتية، مثل توفير مواقف سيارات كافية، مرافق صحية، ومحلات خاصة بالماكولات، إضافة إلى نظم دفع إلكترونية تسهم في تسريع المعاملات التجارية

 

  1. ترحيل الباعة إلى مواقع تجارية منظمة

أهداف المشروع:

وتتمثل أهداف مشروع الترحيل فيما يلي :

1- تحسين التنظيم المحلي: يعتبر ترحيل الأسواق إلى أماكن يمكن الولوج اليها بسهولة من طرف المواطنين خطوة استراتيجية لتخفيف الازدحام المروري وتحسين تدفق حركة السير في شوارع المدينة.

2- خلق بيئة تجارية منظمة: تساهم عملية نقل الأسواق إلى أماكن جديدة في تنظيم النشاط التجاري، و توفر بيئة أكثر ترتيبًا، مما يعزز التنافسية بين التجار ويجذب المستثمرين، وسيساعد ذلك في تعزيز النشاط التجاري وتحسين الدخل المحلي.

3- تحقيق استدامة بيئية: من خلال إنشاء أسواق في مواقع جديدة، يمكن توفير المزيد من المساحات الخضراء والمناطق المخصصة للمشي، مما يساهم في تحسين جودة الحياة في المدينة.

4- تحقيق التوازن بين التطور الحضري والبيئة: في سياق هذا التحول الحضري، تسعى السلطة المحلية إلى تحقيق توازن بين تجديد المدينة مع الحفاظ على البيئة من خلال نقل الأسواق إلى مناطق جديدة بعيدًا عن المناطق السكنية وهذا سيؤدي إلى تقليل التلوث البيئي والصوتي.

في الوقت نفسه، تم ترحيل أسواق أخرى، مثل سوق الجمعة وسوق الأحد، إلى مناطق بعيدة عن الأحياء السكنية بهدف تخفيف الضغط على الشوارع الرئيسية، كما تم ترحيل سوق الفلاح من خلال اختيار فضاء يتسم بتوفر البنية التحتية الحديثة التي تسهل حركة المرور وتحد من الازدحام.

إن هذه الإجراءات تسعى إلى إنشاء سوق منظم، يعكس استراتيجية جديدة لأجل تحسين توزيع الأسواق التجارية بشكل متساو في المدينة.

 

تأهيل وخلق أسواق أسبوعية جديدة

 

من أبرز المشاريع التي سيتم تنفيذها هي إنشاء سوق جماعة أهل أنجاد على مساحة 12 هكتارا، باستثمار يناهز 10 ملايين درهم، وهو مشروع ضخم يهدف إلى تحسين البنية التحتية وتعزيز التجارة في المنطقة، مع إنشاء مرافق تجارية حديثة تلبي احتياجات التجار والسكان بغية تحفيز الاقتصاد المحلي.

كما تمت برمجة مجموعة من مشاريع إنشاء الأسواق الأسبوعية في مناطق مختلفة، بغلاف مالي يقدر ب 70 م.د و يتعلق الأمر بـسوق بني درار، سوق سيدي موسى لمهاية، سوق النعيمة و سوق عين الصفا، وتؤكد هذه المشاريع مدى التزام السلطات المحلية بتطوير البنية التحتية التجارية في مختلف المناطق، لأجل تحسين تجربة التسوق.

لقد لاقت عملية إعادة تأهيل الأسواق التقليدية ونقلها إلى مواقع جديدة، بالإضافة إلى بناء أسواق حديثة ومتطورة، استحساناً كبيراً من قبل الساكنة ورضا واسعاً من التجار على حد سواء. و قد أسهمت هذه المبادرة في إحداث تحول مهم في الطريقة التي تتم بها العمليات التجارية، مما انعكس إيجاباً على جميع الأطراف المعنية.

على مستوى التجار، فقد تم  توفير بيئة تجارية أكثر احترافية، حيث تم تصميم هذه الأسواق وفق معايير حديثة، تضمن مساحة كافية وملائمة لعرض البضائع وتنظيم الأماكن، مما سيساعدهم على  تحسين مستوى خدماتهم وزيادة قدرتهم التنافسية، أما بالنسبة للساكنة، فقد تم تحويل تجربة التسوق إلى تجربة سلسة بفضل التصميم الجمالي والمريح للأسواق الجديدة، حيث تمت مراعاة الجوانب الاجتماعية والبيئية عند بناء هذه الأسواق، ومن ناحية أخرى، أدت هذه التغييرات الى ارتفاع مبيعات التجار بشكل ملحوظ بفضل تحسين ظروف العرض والطلب. كما سهلت عمليات النقل والتوزيع عبر تخصيص مناطق خاصة بالشحن والتفريغ في تقليل الازدحام وحسن من تدفق البضائع.

ولم تقتصر هذه المشاريع على تحسين الشكل الظاهري للأسواق فقط، بل أدت إلى تنشيط الحركة التجارية ورفع مستوى رضا جميع الأطر من بائعين وزبائن، مما يعكس نجاح هذه المبادرة على مختلف الأصعدة.

إن النهوض بالقطاع التجاري في المدينة لا يتطلب فقط تطوير أسواقها، بل أيضًا تنسيقًا متكاملًا بين جميع الفاعلين المعنيين، حيث يتعين على السلطات المحلية والشركاء الاقتصاديين التعاون بشكل فعال من أجل صياغة استراتيجيات مبتكرة تركز على تحسين البنية التحتية التجارية، ودعم نمو التجارة العصرية، مع معالجة التحديات التي تطرأ على التجارة التقليدية والقطاع غير المهيكل.

وفي إطار تحسين الوضعية التجارية ذات الطابع الاجتماعي تم بناء منصة جهوية لتثمين المنتجات المحلية على مساحة 5 هكتارات، بتكلفة إجمالية تقدر ب 195 م.د، مخصصة لغرف التبريد، ووحدات المعالجة، كما تشمل تجهيزات ومعدات حديثة، فضلاً عن توفير وسائل لوجستيكية متطورة لضمان سير العمليات بكفاءة عالية.

وهي منصة تهدف إلى  التعبئة، التغليف، الترويج، وتسويق منتجات محلية مثل التمر، الزيتون، زيت الزيتون، العسل، اللوز، الزيوت الأساسية، والتوابل، مما يؤدي إلى تحقيق نتائج فعالة وفتح آفاق إيجابية بخصوص عملية بيع المنتوج المحلي لاستقطاب أكبر عدد من الزبائن من جهة وتحريك عجلة البيع والشراء لدى التجار من جهة أخرى.

علاوة على ذلك، كان من الواجب أن تواكب هذه الاستراتيجيات التغيرات التكنولوجية العالمية، حيث تزداد أهمية التجارة الإلكترونية و الرقمنة في الاقتصاد الحديث، بالموازاة مع مبادرات عديدة ذات أهمية بالغة من شأنها تعزيز التجارة الرقمية، مما يتيح للمتسوقين والباعة خيارات أكثر تنوعًا وسهولة، ويزيد من فعالية السوق المحلي وإرضاء مرتاديه.

 

رؤية شاملة نحو التنمية المستدامة:

 

تسعى السلطات المحلية في وجدة إلى جعل المدينة نموذجًا يحتذى به بين المدن المغربية، خصوصًا في تحقيق توازن بين التطور العمراني المستدام والحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية، فبجانب مشاريع تحسين التنظيم التجاري، تركز المدينة أيضًا على تطوير المساحات الخضراء وتحسين جودة البيئة، ومن أبرز الخطوات التي تم اتخاذها:

1- الطاقة المتجددة: تطبيق مشاريع للطاقة المتجددة مثل استخدام الألواح الشمسية في المباني الحكومية والمرافق العامة، هذه المبادرات تسهم في تقليل الانبعاثات الكربونية وتوفير الطاقة بشكل مستدام.

2- العناية بالمساحات الخضراء: العمل على زيادة مساحاتها داخل المدينة من أجل توفير بيئة حضرية صحية وملائمة للعيش، وهو ما يسهم في تحسين جودة الحياة للمواطنين.

 

وفي الختام، يتطلب تعزيز القطاع التجاري في مدينة وجدة رؤية شاملة واستراتيجيات مبتكرة تتماشى مع النمو الحضري المستدام، مع الاهتمام العميق بتنظيم الأسواق التقليدية

وتطوير الأنشطة التجارية غير المهيكلة، فعبر تنفيذ هذه التوجهات سنتمكن من تحسين جاذبية مدينة وجدة كمركز تجاري واقتصادي، ونساهم في تحقيق الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية للمدينة في المستقبل لنا وللأجيال القادمة.

Click to resize
اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق
(آش24)///



Click to resize
Exit mobile version