يتذكر الجميع ان الحكومة أعلنت بصخب كبير وتطبيل وتزمير عن مشروع اعادة تأهيل غابات الأركان وشكلت وكالة وطنية خاصة بذلك ثم كشفت عن مخطط لغرس مساحات جديدة من شجر الأركان لتعويض الغابات الطبيعية التي اندثرت بسبب التحول المناخي لكن ايضاً بسبب الاستغلال والرعي الجائرين.
المشروع الذي قيل بانه سيحول الثروة الاركانية من منتوج طبيعي نكتفي بجمع ثماره إلى منتوج معقلن ومهيكل خاضع لضوابط الزراعة الحديثة ، نص على زرع مساحة 10.000 هكتار موزعة على جهات مراكش آسفي وسوس ماسة وكلمين واد نون.
تفاءلنا خيرا بهذا المشروع الذي ضننا انه سينهي إهمال هذه الثروة الوطنية التي كان ينبغي ان تحظى بكل العناية لأنها. تتعلق بشجرة سحرية فريدة في الوجود لا تنبث إلا في المغرب ،شجرة تعد من أغلى الأشجار قيمة وعطاء لان حصولها يفوق في مردوده كل أنواع الشجر، ولأنها البلسم السحري للتصحر والحل لمواجهة التحول المناخي .فشجرة الأركان تنبث في اكثر الناطق والأراضي الوعرة ،الجافة والفقيرة،وهي إلى جانب ذلك قد تأقلمت مع طبيعة المغرب فنراها تواجه الجفاف والقحط الاشدين وعدوان الإنسان والحيوان وخاصة الماعز وحتى الجمال ،فتيبس وتتحول إلى مجرد جذور وحطب جاف ،لكنها وبعملية سحرية تتحول في أيام إلى شجرة خضراء يانعة مندفعة في النمو بعنفوان عجيب لتسترجع خضرتها وضخامتها في أسابيع وتثمر الخير الكثير.
استمرار الاستغلال العشوائي الجائر لقرون ادى مع تفاقم ظاهرة الجفاف إلى تقلص كبير لمساحات الأركان الذي كان يغطي مناطق شاسعة من البلاد لا يزاحمه إلا البلوط .فاصبحت غابات الأركان تقتصر على مناطق من الجنوب وانقرضت من معظم البلاد ولم تبق إلا آثار قليلة منها في كريفلة والريف.
مساحة الشروع الذي يموله الصندوق الأخضر للمناخ تنحصر في 10.000 هكتار اي ما يعادل 100 كيلوتر مربع وهي مساحة بسيطة جدا مقارنة مع المناطق التي اختفت منه هذه الشجرة والتي تصلح لإعادة تشجيرها بها. مع العلم بان المساحة المتبقية من غابات الأركان ببلادنا تتجاوز 830.000 هكتار لم يشمل التنظيم سوى 26.000 هكتار منها مساحات قليلة انتظمت في 300 تعاونية بها 6500 عضو .
اماً المشروع الجديد فمن المتوقع ان يفيد 26.000 من الساكنة مع استفادة غير مباشرة لنحو 340.000 مواطن.
هذا هو ما اعلن عنه عند إطلاق المشروع مع إنشاء الصندوق الأخضر في 2017. .
الجديد وبعد اكثر من سبع سنين ، تعلن وكالة تنمية الأركان والواحات عن طريق وكالة تنمية الأركان عن صفقة دسمة منحت لمكتب دراسات يسمى :cabinet conseil ingegnerie et développements
وذلك كما قيل للسهر على متابعة تنفيذ ومصاحبة المشروع .
إذا كنتم تظنون ان غرس مساحة من الأركان تتم كالاشجار الأخرى التي يغرسها الفلاحون في المغرب منذ الأزل ،تتم بوضع البذور في التربة بالكمية المطلوبة بأنبائها ثم إعداد حفر ووضعها فيها وترك الطبيعة تعمل عملها فأنتم لا تفهمون شيئا في المشاريع .
الأمر يحتاج الي ميزانيات ضخمة ودراسات وتفكير تقارير وخبراء ومستشارين ومكاتب دراسات ومختبرات ومؤسسات توجيه اجنبية ومحلية وغير هذا كثير
وعلى هذا الأساس أطلق المشروع بكثير من الضوضاء من طرف الوزراء وكبار المسؤولين منذ ست سنين او يزيد وتم الحديث عنه في مناسبات عديدة كإنجاب عظيم ثم نكتشف الآن انه ما زال في طي الغيب وان الوكالة الوطنية لتنمية الواحات أسندت تنفيذ المشروع لوكالة هي بنتها البكر التي انتظرت سبعة أعوام لتسند المهمة إلى مكتب دراسات لتنفيذ العمل ومصاحبته كما قيل ،فمشروع غرس الأركان لا يطيق الوحدة لأنه يعاني من التوحد .
لو توفرت النزاهة حقا لكان المشروع قد اسند لفلاح مغربي ينفذه خلال موسمين وبتكلفة ربما لا تزيد عن عشر الميزانية التي يتم الآن التهامها .
نعتقد بان هذا المشروع يعطي المثال الأفضل على استشراء الفساد البين في بلادنا وأنه لمنكر كبير يجب ان ينتهي
وإننا نصرخ بالدعوة إلى الترشيد وقطع دابر الفساد وانهاء هذا التلاعب الذي يقوض هيبة الدولة وينزع عنها المصداقية والثقة داخليا وخارجيا.
