الزواج بالنية والحرث بالنية..ذهب مع الريح

24 ديسمبر 2024آخر تحديث :
الزواج بالنية والحرث بالنية..ذهب مع الريح
مصطفى العبيسي
مصطفى العبيسي

مرة زرت محكمة الأسرة بالدار البيضاء لغرض من الأغراض ،وكم كانت دهشتي عندما لاحظت ان اغلب القضايا ان لم تكن كلها مرفوعة ضد الرجال من اجل الصائر والنفقة وبقية الصداق والمتعة والعديد من الواجبات التي راكمتها التشريعات السماوية والوضعية على كتفيه لينوء بها.
وبمناسبة مناقشة تعديلات مدونة الأسرة التي تشغل بال الرأي العام المغربي الآن ،لاحظت من جديد ان المطالب كلها آتية من المرأة ولصالحها وكأن الزواج عقد مشروط لجانب واحد على حساب الجانب الثاني .
الزواج يقوم على طرفين يتوقف نجاحه على توازنهما وانسجامهما ،فإذا مال الثقل على جانب واحد اختل العقد وأنحل كما يحدث لشقي الرحى .
بناء أسرة مغربية حديثة سليمة يقتضي التروي وبعد النظر وعدم الانسياق إلى التقليد الاعمى لمجتمعات أخرى لها مميزاتها وواقعها المختلفة عما لدينا ،ومن المطلوب الحذر من الانسياق وراء المطالب المغرقة في التقليد والمثالية .لاننا نريد إصلاح المجتمع لا القضاء على مؤسسة الزواج بتنفير الرجل وترهيبه بشروط وقيود واحكام تذكر بعدالة قراقوش: فيحلف ويغرم ويذهب إلى الحبس.
لا احد يتحدث عن نسبة تدني حالات الزواج في بلادنا ولا عن استفحال أعداد العوانس ولا عن تكاثر مواليد خارج الزواج والعديد من سمات تفكك الأسرة واندثار الخصائص العائلية والاجتماعية التي كانت تميز المجتمع المغربي وتجعل منه مجتمعا مترابطا متضامنا قارب الكمال في نظامه .
من المنطقي ان تدفع بنا المغالاة والمبالغات التي يدار بها النقاش حاليا من جانب فعاليات مندفعة ومتحمسة بقوة للحاق بالركب الأوربي في نظمه وقوانينه. دون مراعاة الفوارق المنطقية المرتبطة بالخلفيات الثقافية والاقتصادية والتاريخية ، من المنطقي ان نخشى على ما بقي من مكاسب وخصوصيات لدينا.
نريد الإصلاح المتزن الذي يحسن اوضاعنا ويقوي مجتمعنا لا تشريعات طوباوية تقضي على ما راكمناه من مكاسب ثقافية وحضارية وتحول مجتمعنا إلى مجتمع أفراد متفسخ لا قيم له.
ومن حقنا ان نطرح السؤال : هل الرجل وحده عنصر التغيير؟ وهل النواقص كلها آتية من جانه حتى تقتصر كل التعديلات التقويمية عليه؟
نتمنى ان لاينتهي بنا الأمر في مجتمع احادي بلا اسر ولا أطفال ولا روابط اجتماعية ، مجتمع وبوتان آدمية .

Click to resize
اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق
مصطفى العبيسي


Click to resize
Exit mobile version