تحرص السلطات في جهة الدار البيضاء ـ السطات على تنزيل الرؤية الملكية الرامية إلى تحويل العاصمة الاقتصادية إلى قطب مالي ينتظر منه أن يصبح بوابة للاستثمار في إفريقيا.
ويظهر هذا الحرص في الصرامة المتبعة في ترجمة التصور الملكي على الأرض من خلال الالتزام الدقيق بالمعايير الموضوعة لإخراج عدد من المشاريع إلى الوجود، كما هو عليه الشأن بالنسبة لتأهيل كورنيش عين الذئاب، الذي يحظى بالأولية في أجندة سلطات عمالة مقاطعات الدار البيضاء – آنفا.
ولمس المتتبعون للشأن المحلي هذه الصرامة في القيود المفروضة على مالكي فضاءات النزهة والترفيه والمقاهي، الذين وجدوا أنفسهم ملزمين باحترام دفتر التحملات الموضوع لضمان مكان لمشاريعهم في واحدة من أشهر المناطق السياحية في المدينة.
ومن النماذج على ذلك تعديلات أرغم مستثمرون على إدخالها على تصاميم مشاريعهم لتتماشى مع المواصفات الموضوعة، والتي تراعي عدة اعتبارات تأتي في مقدمتها جعل الكورنيش منطقة سياحية للاسترخاء والاستجمام .
هذه المنهجية، التي تقدم مثالا واضحا عن الدخول الحقيقي في «زمن الصرامة»، الذي نادى به جلالة الملك في خطبه الأخيرة، هي أحوج ما كنا في حاجة إليه في ظل الأوضاع الحالية، غير أن الملفت أنها خلقت لساهرين على تسيير شؤون أكبر مدن المغرب «جيشا من الأعداء».
وهنا نتساءل من هم أعداء سيادة القانون؟ ومن له مصلحة في أن لا يكون القانون في الدولة سيدا؟. أسئلة لن نتفاجئ بتوفر أجوبة جاهزة عنها، على اعتبار أن هذه الفئة تكشف عن نفسها بدون حرج كلما تضررت مصالحها الشخصية أو مصالح أولياء نعمتها ب”خرجات” تعتمد فيها فن “قلب الحقائق” ووضع الإجراءات المتبعة لتحريك عجلة الاستثمار وخلق فرص شغل في مواطن شبهة.
إنه درس كبير يقدمه مسؤولون في الدار البيضاء بإصرارهم على تطبيق القانون تماشيا مع الأجندة الملكية مهما كانت قوة الضربات التي يتلقونها وطبيعة الضغوطات التي تمارس عليهم، في نموذج يأمل أن يقتضي به نظرائهم في باقي جهات وأقاليم المملكة، حيث لن يكون من الصعب تعميمه إذا ما عملت الدولة وبحزم على توفير الحماية لخدامها.
التاريخ لا يرحم.. وهذه الفئة، في حالة تجريب هذه الوصفة، لن يكون لها مكان إلا في مزابله، خصوصا مع رؤية ما يجري التحضير له من مشاريع النور، والتي ستوفر، في زمن أقصاه ثلاثة سنوات، الآلاف من مناصب الشغل، بعدما تعود العجلة الاقتصادية إلى الدوران بالسرعة المحددة للخروج من حالة الركود التي جاءت نتيجة تغليب المصالح الشخصية على العامة والبحث عن تحقيق الربح حتى على مآسي الفئات الاجتماعية الهشة.