أكد الكاتب والصحافي محمد البريني، اليوم الثلاثاء بالرباط، أن الصحافة المغربية مدعوة إلى ابتكار نموذج اقتصادي ومهني جديد، للحفاظ على استقلاليتها.
وأبرز البريني، الذي حل ضيفا على ملتقى وكالة المغرب العربي للأنباء لمناقشة موضوع “استقلالية الصحافة بين الأسطورة والواقع”، إنه “كلما كانت الصحيفة قوية بمصداقيتها وبمهنيتها وبرواجها، وبقدرات صحفييها وحماسهم ونزاهتهم وصلابة ارتباطهم بمؤسستهم، كانت أقدر على الدفاع عن استقلاليتها، وهذا ما يتعين أن يصبو إليه سعي الصحافة المغربية من أجل ابتكار نموذج جديد للصحيفة القوية”.
واعتبر، الكاتب والصحفي، خلال هذا اللقاء الذي يندرج ضمن سلسلة لقاءات تنظمها (ومع) لتخليد الذكرى الستين لتأسيسها، أن جميع مواثيق أخلاقيات مهنة الصحافة تجعل من الاستقلالية واحدا من أهم أسس هذه المهنة، وكذا أحد المبادئ التي يعد عدم الالتزام به إخلالا فادحا بشرف الصحافة وبقدسية رسالتها.
ولفت إلى أن “الاستقلالية معركة دائمة، مع النفس أولا وقبل كل شيء، ثم مع من يهددها ويعاكسها”، مسجلا أن “الاستقلالية هي روح الصحافة، وأن من فقدها يكون قد فقد روحه”.
وشدد على أن صحيفة من الصحف قد تجعل من الاستقلالية نهجا لنشاطها، ومبدأ تتقيد به تقيدا صارما، وأداة من أجل خدمة المنفعة العمومية، وخدمة حق المواطن في الإعلام والمعرفة، والمساهمة في تنمية وإغناء النقاش الديمقراطي، لكن أثناء الممارسة قد يستعصي عليها أن تحصن استقلاليتها، وتصمد ضد المس بها، ما لم تستطع التقيد والالتزام ببعض الشروط ومن أهمها “ممارسة استقلالها تجاه السلطة السياسية، وعن القوة الاقتصادية والمالية، وكذا تجاه مجلس إدارتها والمساهمين في المؤسسة التي تنشرها”.
ومن ضمن الشروط الأخرى لممارسة الاستقلالية، بحسب السيد البريني، أن تكون هيئة تحرير الصحيفة مشكلة من صحفيين مهنيين، مستقلين ومتمسكين باستقلاليتهم، ومحصنين ضد الإغراءات والضغوطات، وكذا أن تكون الصحيفة مستغنية عن الإشهار أو على الأقل أن يكون مصيرها غير مرهون بحجم مداخيله، مشددا في السياق ذاته على ضرورة إرساء سياسة صارمة لتحصين الصحفيين من كل أشكال الإغراء وذلك عن طريق تكوينهم وتمكينهم اقتصاديا وماليا.
كما سجل أنه “لا يمكن لأي صحيفة اليوم الاستغناء عن مداخيل الإشهار، لكن على شرط ألا تشكل مداخيل الاشهار القسم الأوفر في ميزانيتها، وإلا فإن تبعيتها لتلك المداخيل قد تغدو تبعية مطلقة”، مشيرا إلى أن تلك التبعية قد تبرر بالسعي لضمان البقاء على قيد الحياة.
واعتبر أن “الاعتماد فقط على هذا الخيار للبقاء على قيد الحياة، سيؤدي، حتما، إلى التنازل تدريجيا عن الاستقلالية، وبالتالي المزيد من فقدان المصداقية، التي تؤدي، حتما، إلى المزيد من تدهور المبيعات”، مشيرا إلى أن الأمر يتعلق بـ “المسلسل المؤدي، سواء في المدى البعيد أو القريب، إلى الفناء المادي والروحي والأخلاقي”.
وبعد أن أكد على حدوث تطورات ومكتسبات ملموسة وكبيرة في مجال الصحافة، لفت إلى أن ” المجتمع الصحفي يطلب المزيد من الحقوق والمكاسب، وخاصة فيما يتعلق بمحتوى قوانين مدونة الصحافة، والحق في الوصول إلى المعلومة، وينتظر من الدولة الاهتمام بالوضع الهش الذي تعاني منه الصحافة والذي يهدد الصحافة الورقية، على الخصوص، بالاندثار”.
وشكل هذا اللقاء مناسبة تم خلالها تسليط الضوء على العلاقة بين استقلالية الصحافة وتحسن مناخ الممارسة الصحفية في ظل عالم يتسم بتنوع المنشورات.
يذكر أن اللقاء يعد الخامس من نوعه بعد اللقاءات التي استضافت وزير الثقافة والاتصال محمد الأعرج، ووزراء الاتصال السابقين، محمد نبيل بن عبد الله، وخالد الناصري ومصطفى الخلفي.