جوقة المهرولين الانتهازيين التي تتصيد الفرص للانقضاد على المغرب و الخوض المغرض في شؤونه ، ملأت الدنيا عويلا لأن المغرب أبرم اتفاقية سيادية تحفظ مصالحه الوطنية وتكرس وحدته الترابية و في نفس الوقت تصالحه مع فئة عريضة من أبنائه المغربيين في إسرائيل ، وتؤهله من موقع قوة للدفع بقضية شعب فلسطين وتكسير جمودها.
المهرولون لمحاسبة المغرب على التطبيع ذاكرتهم ضعيفة و فكرهم ضيق ، نفس الفكر الذي قاد الأمة العربية إلى ماهي عليه من تخلف وانحطاط؛المقاطعة السلبية مجرد هروب من الواقع وعجز عن التطور فمنذ ما قبل 48 وإلى اليوم راوح العرب مكانهم بينما واصلت إسرائيل تطورها من مجرد فكر ومشروع إلى دولة سرطانية نووية تنمو وتتقوى من ضعف العرب وجمودهم الفكري.
لماذا يلام المطبعون؟ وماذا أعطت المقاطعة؟ الجواب، المزيد من المستوطنات و المزيد من القهر و القتل و المعاناة للشعب الفلسطيني، ثم ما جدوى الاستمرار قي مقاطعة إسرائيل من جانب المغرب وقد طبع معها البلدان العربيان المحوريان اللذان تحملا كل ثقل الصراع طوال نصف قرن وقدما عشرات الالاف من الشهداء خلال الحروب الماضية.
مبادرة السلام التي أبرمتها كل من مصر و الأردن هي التي عرت إسرائيل ونزعت عنها ورقة المظلومية و دفعتها تحت ضغط المجتمع الدولي إلى الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني ووقف اكتساح الأراضي وقيام السلطة والجلاء عن قطاع غزة.إسرائيل لا تحظى باعتراف مصر والأردن وحدهما فأصحاب الشأن والقضية تبادلوا الاعتراف مع إسرائيل بعد مؤتمر أوسلو وأقاموا سلطتهم التي هي في الواقع دولة قائمة الذات لا تنقصها إلا بعض التفاصيل.
السلطة الفلسطينية تتعايش وتتساكن مع إسرائيل وبينهما تعاون أكثر من وثيق فمسؤولوا الحكومة الفلسطينية و على رأسهم محمود عباس يتقاضون رواتبهم الشهرية بعملة الشيكل الإسرائيلية، الدولة العبرية و فلسطين يتقاسمان نفس شبكة الماء و الكهرباء و الصرف الصحي و النظام المالي و البنكي و الجبائي و المسؤولون في رام الله يسافرون عبر مطار بنغوريون الإسرائيلي و يعالجون في مستشفيات تل أبيب و يستخدمون شبكة الاتصالات نفسها، ومن إسرائيل يأتيهم الوقود والخبز وحتى السجائر .
أما غزة ، التي يعيب قادتها عنا ربط علاقة مع إسرائيل فوجب عليهم أن يحمدوا الله على وجود معابر إسرائيلية يأتيهم منها كل شيء رغم التقتير و الرقابة ، لأن المعبر الوحيد مع مصر الشقيقة ، مغلق بسبعة أقفال ولايفتح إلا للحظات كلما طلع هلال العيد.
حنان عشراوي و الآخرون يعتقدون أن لا أحد يعرف بأنهم يعيشون في لندن و نيويورك أكثر مما يعيشون في فلسطين، وأنهم يتلقون رواتبهم من ميزانية السلطة و يملؤون حساباتهم السويسرية بتحويلات الدعم المجهولة المصدر.
أما جيراننا الذين نصبوا أنفسهم حماة للقضية الفلسطينية و أبطالا للمقاطعة فإن عليهم أن يخجلوا من أنفسهم ،ألا يوجد سفير لهم في مصر و الأردن إلى جانب سفراء إسرائيل في هذين البلدين و منذ عشرات السنين؟ ألم يصافح رئيسهم بوتفليقة رئيس وزراء إسرائيل بحرارة ؟ وأخيرا ألم يعرضوا على إسرائيل : تطبيعا ب 24 مليار دولار كما أعلن مؤخرا؟
وفي الأخير فإن الختام يكون من تركيا التي تنتقد المغرب هي الأخرى و العالم كله يعلم بأنها لم تكن من أوائل المعترفين بإسرائيل عند قيامها فحسب بل ولعبت دورا أساسيا في تكوين إسرائيل منذ إعلان وعد بلفور ويربطها معها حلف عسكري .
حقيقة : ” إللى اختشوا ماتو ” كما يقول المصريون.