رغم خبثه، إلا أن فيروس (كورونا) كانت له حسنات عدة، ومنها تقديم رجال السلطة أمام المغاربة بوجه مغاير.
فعلى عكس تلك الصورة التقليدية المرتبطة في ذهن العامة “بالعنف والقمع”، بينت هذه الأزمة الصحية أن هذا الخط الأمامي الذي يتقدم مواجهة عدو غير مرئي يضم أطرا من مستوى ثقافي عالي ومتشبعة برؤية وأسلوب مغاير في التواصل والتعامل مع المواطنين.
وهذا ما أثبت في الأشهر الثلاثة الماضية ل «الحجر الصحي» إذ أظهر خلالها ولاة وعمال وقياد وقائدات وباشوات وشيوخ ومقدمين درجة عالية من الوطنية والمواطنة، بانخراطهم ببزاتهم العسكرية في عمليات التحسيس والتوعية والتدخل بأسلوب بيداغوجي يعتمد اللطف والحوار في الإقناع على الالتزام بالتدابير الوقائية في إطار «الطوارئ الصحية» للحد من تفشي الوباء، ما رسم صورة مخالفة للصورة النمطية التي ترسخت عن رجال السلطة.
لتتشكل بعد ذلك فكرة أخرى أكثر إنسانية ونبلا عنهم بعد تكليفهم بمهمة الإشراف على توزيع المساعدات على الأسر المتضررة من «كورونا»، وهو ما جعلهم يتحولون، دون تخطيط لذلك، إلى نجوم في عيون المغاربة، الذين لا يترددون كلما سنحت لهم الفرصة لذلك للتعبير لهم عن مدى شكرهم وامتنانهم على كل ما بذلوه من مجهودات لتجنيب البلاد أسوأ سيناريوهات انتشار الوباء، رفقة باقي جنود الخطوط الأمامية من أطر طبية وأمن ودرك وقوات مساعدة ووقاية مدنية.
غير أن هذا الجانب ليس كل ما يظهر من الصورة المشكلة في زمن «الطوارئ الصحية». فكما شهدت هذه الفترة لحظات مليئة بالمشاعر الإنسانية، تخللها «حوادث» تجلت في تعرض عدد من رجال السلطة في احتكاكهم مع مخالفين للقانون لا عتداءات وسب وقذف، وفي أحيان أخرى لجأت مجموعات إلى وضعهم تحت الضغط لثنيهم على الاطلاع بالأدوار المحورية المنوطة بهم.
وقد بدأ تكرار مثل هذه الحوادث، والتي لا يعرف ما إذا كانت تخفي وراءها أهداف غير معلنة، يساءل وزارة الداخلية التي أضحت مطالبة بمؤازرة رجالها عبر توفير نظام حماية أكثر قوة لطمأنة رجال السلطة الذين يواجهون تحديات مختلفة، ترتبط أساسا بتطور الفعل الاحتجاجي، وارتفاع نسبة الصدامات على هامش ممارسة مهامهم اليومية.
فالسكوت على مثل هذه السلوكات وعدم مواجهتها بالصرامة نفسها التي تطبق في التعامل مع رجال السلطة ممن ارتكبوا تجاوزات، لن يدفع ضريبته فقط مسؤولي الإدارة الترابية، بل سيكون إنعكاسه سلبيا أيضا على هيبة الدولة، التي سنؤدي في حالة المساس بها فاتورة غالية في بلد يبقى رأسماله الأكبر والأثمن الاستقرار والأمن والأمان.