كل العالم مشغول بالبحث عن لقاح أو علاج لفيروس «كورونا». لكن ربما يكون الفيروس يحفر قبره بيديه وهو ما يعتبر بشرى سارة للبشرية.
دراسات وأبحاث عدة خلصت إلى أن الفيروس ليس هو نفسه دائما، وليس هو نفسه في كل مكان وليس هو نفسه الذي يحمله كل شخص، إذ إنه يطوّر نفسه ويتغيّر، لكن على الأرجح باتجاه الضعف والوهن ومغادرة طبيعته الفتاكة. هذه النتائج هي نفسها تقف على رأس أسباب الانتشار الواسع وغير المسبوق للوباء، والصعوبة في مواجهته، مع التأكيد أن الصعوبة لا تعني الاستحالة، وأن هزيمة الفيروس أمر حتمي بنظر معظم الخبراء، لكنها مسألة وقت.
قبل حوالي شهر، خلصت الدكتورة التونسية عواطف الموسي المختصة في علم الفيروسات بالمخبر المرجعي بمستشفى شارل نيكول إلى أن فيروس «كورونا» قد يتغير من شخص إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى، لذلك سيتواصل القيام بالتحاليل لكل المصابين لمعرفة مدى تغير الفيروس من جسم لآخر.
وضربت الموسى مثلا على تحليلها، مشيرة إلى أن التعرف على التسلسل الجيني لفيروس «كورونا» في تونس أثبت أنه شبيه للفيروس الموجود بأمريكا، ذلك أن هذا الفيروس قد يتغير من بلد إلى آخر، وعندما ينتشر في بلد ما يحاول التأقلم مع طبيعته ومع جسم الإنسان.
3 أنواع
في الفترة نفسها، توصل باحثون من جامعة كامبريدج إلى أن هناك ثلاثة أنواع من الفيروس المستجد تنتشر في العالم، وفق صحيفة “دايلي ميل” البريطانية التي ذكرت أن الدراسة اعتمدت على عدد كبير من جينومات الفيروس، ورصد الباحثون لتاريخه الوراثي من 24 ديسمبر إلى 4 مارس الماضيين، وتوصلوا إلى وجود ثلاثة أنواع مختلفة لكنها وثيقة الصلة فيما بينها. وتوصلوا إلى أن هناك ثلاثة أنواع «A» و«B» و«C».
المفاجأة في ذلك الاكتشاف كانت أنه رغم ظهور الفيروس في مدينة ووهان بالصين، فإن المدينة شهدت النوع الثاني من الفيروس، فيما تعاني أوروبا من النسخة الأصلية من «كورونا» المستجد. ووفق العلماء، ظهر «C» في مناطق أخرى، منها سنغافورة.
ويعتقد العلماء أن الفيروس قد يتغيّر باستمرار للتغلب على مستويات مختلفة من مقاومة الجهاز المناعي في مختلف الفئات السكانية.
وقبل أسبوع، أظهرت دراسة بريطانية للتحليل الجيني للفيروس أنه ينتشر بين البشر منذ أواخر العام الماضي، وأنه انتشر بسرعة فائقة بعد الإصابة الأولى. الباحثون في بريطانيا قالوا إنهم وجدوا أدلة على الانتشار السريع للفيروس، ولكنهم لم يجدوا دليلاً على أن انتقال الفيروس أصبح أكثر سهولة أو أنه من المحتمل أن يسبب مرضاً خطيرا.
وفي هذا السياق، تنقل شبكة «سي إن إن» عن الباحث في علم الوراثة، فرانسوا بالوكس، من معهد جامعة لندن للوراثة قوله إن كون الفيروس يتغير، لا يعني أنه يزداد سوءا.
فريق البحث البريطاني لاحظ أن هذه النتائج تتماشى مع التقديرات السابقة التي تشير إلى جميع التسلسلات التي تشترك في سلالة مشترك نهاية عام 2019، ما يدعم الاعتقاد بأن هذه هي الفترة التي انتقل فيها الفيروس إلى مضيفه البشري.
مرض مختلف
وفي ما يبدو أنه بشرى سارة للبشرية، يبدي جوزيبي ريموتسي رئيس قسم الدراسات الدوائية في ميلانو، أن منحى وشكل المرض قد تغيرا، وأن مرضى اليوم مختلفون تماما عن المرضى منذ 3 أو 4 أسابيع، وأن عدد الحالات التي تدخل المستشفيات وغرف العناية المركزة مستمر في الانخفاض.
ريموتسي، بناء على استنتاجات علمية، متفائل بتجارب إعطاء بلازما الدم المحتوية على الأجسام المضادة للمرضى، مشيرا إلى أن معظم المرضى بإمكانهم العودة إلى منازلهم الآن دون الحاجة إلى أجهزة تنفس اصطناعي.
وتابع ريموتسي في مقابلة تلفزيونية أعادت صحيفة «ليبيرو» الإيطالية نشرها: «لقد تغير الوضع في كل مكان، ليس فقط في برغامو وميلانو، ولكن أيضا في روما ونابولي». وأشار إلى أنه لا يعرف ما إذا كان الفيروس قد تغير أو أن مناعة الأجسام لكل مريض قد تغيرت، لا يسعني إلا أن أقول شيئا واحدا: نحن في مواجهة مرض مختلف تماماً عن المرض الذي وضعنا في أزمة في بداية الوباء.
وتابع: المصابون اليوم، أفضل بكثير من المصابين قبل شهرين، وأشار إلى مسار بديل يبدأ بالبلازما المعالجة التي يمكن من خلالها تكوين الأجسام المضادة لإعطائها للمرضى حتى يتمكنوا بدورهم من الشفاء. وأضاف «ستكون تجاربنا خطوة إلى الأمام من أجل الحصول على أجسام مضادة في المختبرات. هناك بالفعل العديد من الشركات التي تعمل على ذلك وفي رأيي، سيصلون قريباً إلى اللقاح». واعتبر أنه «منذ ظهور كورونا أواخر العام الماضي في الصين، فإن قوته تضعف تدريجيا».
طفرة جديدة
استنتاجات الخبير الإيطالي تدعم ما ذهب إليه علماء بجامعة أريزونا الأمريكية، إذ قالوا إن طفرة جديدة في الفيروس تشير إلى أنه في الطريق إلى الوهن، في مسار يشبه التغيير الذي طرأ على فيروس سارس عام 2003، ما يمثل تغيرا في اتجاه انتشار الوباء.
وفي إحدى العينات، اكتشف العلماء انقضاء 81 جيناً في الفيروس- وهو نمط ظهر أيضاً خلال تفشي «سارس». الفريق البحثي في الجامعة قال إن الطفرة الجديدة قد تعني أن الفيروس أصبح أقل قدرة على تجاوز جهاز المناعة في الجسم. هذه النتائج جاءت بعد أن أخذ الفريق 382 عينة من مرضى الفيروس في اريزونا ووجدوا أن إحدى العينات الفيروسية افتقدت جزءاً كبيراً من المادة الوراثية لهذا الفيروس. وهو مشابه لما حدث مع فيروس سارس الأصلي الذي تسبب في وباء عام 2003 ما جعل العدوى أضعف، وكانت تلك إشارة إلى بدء انحسار سارس.
ويقول مؤلف الدراسة إن «التطور الجديد جدا» يمكن أن يدفع العلماء في الاتجاه الصحيح عندما يتعلق الأمر بتطوير لقاح لهذا الفيروس، إذ إ ن الفرصة أصبحت أكبر لتطوير لقاح لقهره.