قالت صحيفة (لوفيغارو) الفرنسية إن أحد الأمثلة التي تمت دراستها بدقة متناهية تلقي الضوء على كيفية انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، وقد أظهر أن الفيروس ينتقل عن طريق الهواء.
ولتوضيح هذا المثال الذي درسه الباحثون، قالت الصحيفة بصفحتها العلمية والبيئية إن العائلة “أ” العائدة من مدينة ووهان الصينية (موطن الوباء) جلست يوم 24 يناير لتناول الغداء بمطعم في كانتون على بعد ألف كيلومتر جنوبا، وإن الرجل رقم 1 من العائلة البالغ 63 عاما “ولنرمز له بـ “أ1” كان يجلس على طاولة مع العديد من الأشخاص من بينهم أفراد عائلته، في حين جلست عائلتان أخريان “ب” و”ج” على طاولات مجاورة.
في وقت لاحق من ذلك اليوم، عانى “أ1” من السعال والحمى. وفي 5 فبراير، أصيب تسعة أشخاص بالمرض، أربعة منهم من العائلة “أ”، وثلاثة من العائلة “ب” واثنان من العائلة “ج”. وكان المصدر الوحيد المعروف للتعرض للفيروس هو “أ1”.
وقالت الصحيفة إن الباحثين بمركز كانتون للسيطرة على الأمراض والوقاية منها، الذين أجروا هذه الدراسة، أثبتوا أن شخصا واحدا على الأقل من العائلة “ب” وواحدا من “ج” أصيبا داخل المطعم، في حين أن إصابة الآخرين يمكن أن تكون بسبب انتقال لاحق داخل الأسرة.
والهباء هو جزيئات أخف من الرذاذ وتسافر مسافات أكبر، وأشار البحث إلى أن هذه العائلات لا يعرف بعضها البعض وأن المسافة بين أفرادها كانت مترا واحدا على الأقل، كما أن “أ1” لم تظهر عليه وقتها أي أعراض، ولم يكن مصابا بالسعال، مما يعني أنه لم ينشر رذاذا معديا، وهو عبارة عن جسيمات أكبر من خمسة ميكرونات تظل معلقة لفترة قصيرة.
وأضاف البحث أن غرفة المطعم كانت بلا نوافذ وأن موقع مكيف الهواء المركزي كان فوق مائدة الأسرة “ج” حيث يخرج الهواء ويتبدد في المكان قبل أن يعود مرة أخرى.
وحسب الباحثين، فإن المريض “أ1” مع أنه بدون أعراض فقد نقلت العدوى من الآخرين عن طريقه بسبب ارتفاع تدفق الهواء من المكيف، مما سهل نقل الهباء الجوي الملوث إلى العائلتين الأخريين. علما بأن الهباء الجوي عبارة عن جزيئات أخف من الرذاذ وبالتالي تسافر مسافات أكبر.
ونظرا لأن هذه الطاولات وحدها التي تأثرت، فقد استنتج العلماء أن “العامل الرئيسي في الإصابة كان اتجاه تدفق الهواء” مع أنه “من الصعب استخلاص استنتاجات من هذه الحالة بالذات” كما يقول مارك واثيليت المتخصص في فيروسات كورونا والاستشاري في بلجيكا.
وقالت ليديا موراوسكا الباحثة في الهباء الجوي بجامعة كوينزلاند بأستراليا “كان من المثالي أن يأخذ الباحثون عينات من الفيروس في مواقع مختلفة من المطعم”. علما بأن هذا الأمر كان مستحيلا في هذه الدراسة التي تمت بعد الأحداث.
ومع ذلك، تقول الصحيفة إن هذه الحالة الخاصة تدعم فرضية انتقال الفيروس المسبب لكوفيد-19 عبر الهواء، كما أشار إليها المزيد من الباحثين، حيث وجد الأميركيون الحمض النووي الريبي للفيروس في ما يقارب ثلثي عينات الهواء المأخوذة من غرف المرضى المعزولة.
ويقول واثيليت “أجريت دراسة في شنغهاي تشير إلى أن 80 في المائة من حالات العدوى لا تظهر على أصحابها أعراض، وبحكم هذا التعريف فإن هؤلاء الأشخاص لا يسعلون وبالتالي لا ينتجون الرذاذ الذي تعتبره منظمة الصحة العالمية الناقل الرئيسي للفيروس، مما يعني أن العدوى تنتقل منهم عن طريق الهباء الجوي”.
ورغم ذلك فإن الخلاف بهذا الشأن بعيد عن الحسم، وهو مرتبط بسؤال آخر يثير الخلاف: هل يجب علينا فرض ارتداء الأقنعة للجميع للحد من انتشار هذه الهباء؟ حيث تقول منظمة الصحة إنها تفتقر إلى أدلة على ذلك، في وقت دعت موراوسكا وزميلتها الصينية السلطات إلى عدم إغلاق أعينها عن “حقيقة انتقال الفيروس عن طريق الهباء الجوي”.
ويتساءل واثيليت “لماذا تواصل منظمة الصحة العالمية إنكار هذه الأدلة؟ ولماذا لا يطبق مبدأ التحوط؟ إلا أنه مع ذلك لابد أن نجد إجابة عن: هل الفيروس العالق بالهواء يظل معديا وإلى متى، ولماذا لم يصب خدم المطعم؟.
وللجواب على السؤال الأخير، ترد موراوسكا بأن ذلك يعود للعديد من الأسباب المحتملة، فربما لم يقض الخادم وقتا كافيا في مكان تركيز الفيروس لتلقي جرعة كافية، في حين أن العائلتين ب وج كانتا ثابتتين تقريبا قرابة ساعة، كما أن الخادم قد يكون نظامه المناعي صد الفيروس، إذ “كثيرا ما يصاب بعض أفراد الأسرة بالبرد من شخص مريض والبعض الآخر لا يصاب”؟.