تباينت المواقف داخل مجلس المستشارين، أول أمس الخميس، خلال جلسة المناقشة العامة لمشروع قانون المالية للسنة المالية 2020، بين الفرق المساندة للحكومة التي أشادت بمضامينه والفرق والمجموعة المعارضة التي رأت فيه “مجرد وثيقة محاسباتية”.
وفي هذا الصدد، أكد فريق العدالة والتنمية أن مشروع قانون المالية يحمل مستجدات مهمة وإجراءات اجتماعية واقتصادية جديدة في اتجاه الاستجابة لانتظارات المواطنين، مشيرا إلى أن الأرقام والمؤشرات تؤكد الطابع الاجتماعي للمشروع سيما ما يتعلق بالنهوض بالتشغيل وتعزيز التنمية البشرية والتماسك الاجتماعي والمجالي، حيث تم تخصيص 91 مليار درهم لتفعيل القانون الإطار لمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، ومواصلة تفعيل مخطط” الصحة 2025 “بالإضافة إلى تخصيص ما يناهز 18 مليار درهم لتقليص الفوارق، و26 مليار درهم لدعم القدرة الشرائية للفئات الهشة والطبقة المتوسطة.
وفيما يتعلق بالاستثمارات العمومية، سجل الفريق التوجه الايجابي والإرادي لدى الحكومة في رفع الاعتمادات المخصصة لها، حيث ستصل إلى حدود 198 مليار درهم برسم سنة 2020، معتبرا أنه بالرغم من المجهودات المبذولة في هذا المجال فإن أثر ذلك على النمو الاقتصادي لايزال محدودا بسبب ضعف مردودية الاستثمار العمومي ونجاعته.
بدوره دعا الفريق الحركي خلال مناقشته للمشروع إلى التحول إلى ميزانية النتائج، وانخراط المشروع في تأسيس ورش النموذج التنموي الجديد، والانتقال إلى سياسة مالية تنتج الثروة بدل الاكتفاء بتوزيعها.
ونوه الفريق بالجهود التي بذلتها الحكومة لإعطاء مشروع قانون المالية مضمونا اجتماعيا وبخطوات دعم المقاولات الوطنية والاستثمارات العمومية، وخلق فرص الشغل في سياق صعب، داعيا على الخصوص إلى الإسراع في إخراج السجل الاجتماعي الموحد، ومراجعة معايير توزيع ميزانيات الجهات، وإصلاح نظام الجبايات المحلية.
من جهته، وصف فريق التجمع الوطني للأحرار فرضيات مشروع قانون المالية للسنة المقبلة بـ”الواقعية والمعقولة” حيث تأخذ بعين الاعتبار السياقات الوطنية والدولية، مشيرا إلى أن المشروع أبدع عددا من الحلول ويشجع على الاستثمار وتحفيز القطاع الخاص.
وبعد أن نوه بالتحفيزات الضريبية التي قدمها مشروع القانون، دعا في هذا السياق إلى إقرار إصلاح جبائي حقيقي وعميق نظرا لعدم التوازن الذي يعاني منه النظام الضريبي الوطني، كما ثمن الإجراءات التي جاء بها المشروع من أجل محاصرة التهرب الضريبي، لكنه سجل أنها تظل “غير كافية” في هذا المجال.
من جانبه، اعتبر الفريق الاشتراكي أن فرضيات وأهداف المشروع تظل رهينة بالنظرة التفاؤلية لمنحى ما تشهده الظرفية الدولية والمناخية، داعيا إلى ضرورة العناية بالأوضاع الاجتماعية الملحة، ومزيد من تدقيق النظر في السياسات والاستراتيجيات لعديد من القطاعات، ومشددا على أن المسألة الاجتماعية تظل أساسية في كل قانون المالية، وهو ما يعكسه المجهود المبذول لتحسين قطاعات الصحة والتعليم.
أما فريق الاتحاد العام لمقاولات المغرب فبعد أن نوه بالتقدم الملموس للمغرب في مؤشر مناخ الأعمال، سجل أن مشروع قانون المالية لم يأخذ بالاعتبار تنزيل التوصيات الصادرة عن المناظرة الوطنية للجبايات، معتبرا أن هذا المشروع هو مجرد قانون مرجعي في أفق بلورة نموذج مؤطر في مجال الجبايات.
كما تطرق للدور الذي يلعبه القطاع البنكي في مجال التمويل رغم كونه مقيد بمجموعة من التدابير الاحترازية، وكذا لإشكالية الفعالية والنجاعة في ميدان الاستثمار.
من جانبه، أشاد الفريق الدستوري الديمقراطي الاجتماعي بالأولوية التي توليها الحكومة للقطاعات الاجتماعية وفي مقدمتها التعليم والصحة والتكوين المهنية والعناية بالعالم القروي وتسريع برامج تقليص التفاوتات الاجتماعية والمجالية.
وبعد أن أشار إلى حجم المجهودات المبذولة من أجل تنفيذ الالتزامات الواردة في مشروع القانون المالي، شدد على اهمية الاستثمار العمومي باعتباره خيارا استراتيجيا ورافعة لتنمية الاقتصاد الوطني وكذا لمواجهة التحديات الاجتماعية والحد من التفاوتات المجالية.
بالمقابل، أكد فريق الأصالة والمعاصرة (المعارضة) أن مشروع قانون المالية ينبغي أن يقدم إجابات لقضايا المواطنين، خاصة فئة الشباب، وكذا أجوبة حول أسس بناء النموذج التنموي الجديد وتحديد خطوطه الأولية.
واعتبر أنه أمام إلحاحية بلورة نموذج تنموي جديد يضع الإنسان في صلب اهتماماته وأهدافه، وييسر الولوج لكافة الحقوق الأساسية، فإن السؤال المطروح هو مدى تضمن مشروع قانون المالية لأهداف هذا النموذج.
وسجل أن المشروع، كسابقيه، “مجرد وثيقة محاسباتية لا تنطوي على خيارات اقتصادية من شأنها النهوض بتنمية البلاد” وهي “تكشف الإخلال بالتزامات الحكومة”، مشيرا إلى أن الأرقام والتوقعات التي راهنت عليها هذه الأخيرة يطبعها “التفاؤل المفرط”.
من جهته، اعتبر الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، أن مشروع قانون المالية 2020 “يقتصر على إعادة تدوير الوصفات وترتيب سلة النوايا من خلال تكريسه لإجراءات جاهزة وتدابير سطحية”، مضيفا انه يغيب عن المشروع البعد الاجتماعي، متسائلا عن مدى صدقية الحكومة في وصفها للمشروع بالاجتماعي، معتبرا أنه كان يتعين تبني مقاربة واضحة قادرة على التنشيط الفعلي للسياسة التوزيعية لقانون المالية.
وبخصوص المادة التاسعة من مشروع القانون، طالب الفريق الحكومة بتوفير ضمانات قانونية واضحة لعدم تعطيل مصالح المقاولات والمواطنين مع عدم المساس بهيبة الدولة وقوتها.
بدوره، سجل فريق الاتحاد المغربي للشغل أنه كان هناك تطلع لجعل النقاش حول المشروع لحظة دستورية ولتكريس المشاركة المجتمعية للنهوض بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بدل إهدار الزمن في تقديم تعديلات تقنية شكلية. وتساءل عن ترحيل مسألة الحجز على ممتلكات الدولة إلى مشروع قانون المالية بدل منح الوقت الكافي للنقاش في إطار تعديل قانون المسطرة المدنية، لافتا الانتباه إلى “عجز” الحكومة عن بلورة استراتيجية واضحة وطنية لإدماج الاقتصاد غير المهيكل.
أما مجموعة الكنفدرالية الديمقراطية للشغل فأبرزت أن المشروع يندرج في إطار الاستمرارية التي طبعت المشاريع الميزانياتية السابقة، كما غابت عنه روح الإبداع والبحث عن الأجوبة للقضايا الملحة، فضلا عن سعيه للحفاظ على التوازانات المالية، مسجلا أن مشروع قانون المالية “يعمق الفوارق الاجتماعية”.
أما ممثل حزب التقدم والاشتراكية بمجلس المستشارين فاعتبر أن المشروع لا يحمل أي جديد، لافتا إلى أن المشروع وفر العديد من التدابير لتشجيع الاستثمار وتحفيز النمو لكن الإبقاء على بعض المواد قد يحد من فعالية هاته التدابير، مشيرا في هذا الصدد إلى المادة التاسعة التي تضرب، بحسبه، في العمق النفس الاجتماعي الذي تؤكد عليه الحكومة.