القصة الكاملة لمرض الرئيس الجزائري بوتفليقة

22 فبراير 2019آخر تحديث :
(google)
(google)
أدهم اغنينو

   أوحت الإقالات والتعيينات التي أحدثها الرئيس الجزائري خلال الشهرين الماضيين، والتي شملت قطاعاتٍ مهمّة أنّ بوتفليقة الذي يعاني من مشاكل صحيّة قد بدأ يتعافى ويساهم بقدرٍ كبير في صناعة المشهد السياسي في الجزائر، فلم يمر أسبوعٌ في شهر أغسطس (آب) الماضي، إلا وأخبار إقالة بوتفليقة لمسؤولين عسكريين، وتعيين آخرين، لا تبارح المشهد العام في الجزائر، كان آخرها إقالته الجنرال «شريف عبد الرزاق» قائد الناحية العسكرية الرابعة، وأحد المقربين من نائب وزير الدفاع، وقائد الأركان، الفريق «أحمد قايد صالح»، يوم 27 من الشهر الماضي.

 اليوم الموالي لتلك الإقالة الأخيرة كان صادمًا للجزائريين؛ إذ أعلنت رئاسة الجمهورية في بيانٍ لها أنّ الرئيس الجزائري – صاحب الـ81 عامًا قد نقل قبل يومٍ على جناح السرعة إلى جنيف السويسرية لإجراء تحاليل وفحوصات طبية دورية؛ ليعود الجدل حول مرض الرئيس الجزائري «عبد العزيز بوتفليقة»، في هذا التقرير نحاول أن نوقفك على القصة الكاملة لمرض الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة.

نوفمبر 2005.. بداية علاقة بوتفليقة بالمستشفيات

    أتمّ بوتفليقة عهدته الرئاسية الأولى تاركًا انطباعًا حسنًا عن وضعه الصحي، خصوصًا أنّه كان كثير الخرجات والخطابات، غير أنّ السنة الثانية من عهدته الرئاسية الثانية شهدت بداية معاناته مع المشاكل الصحية؛ ففي 26 من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2005 تمّ نقل الرئيس الجزائري بوتفليقة إلى المستشفى العسكري بـ«فال دوغراس» شمال باريس؛ بسبب مشاكل في الجهاز الهضمي؛ ليمكث بالمصحة حتى 17 من ديسمبر (كانون الأوّل) في سريّة تامة، قبل أن يمضي أسبوعين في قصرٍ باريسي.

في هذا الوقت أعلنت السلطات الجزائرية أنّ بوتفليقة عانى من قرحة في المعدة استلزمت تدخلًا جراحيًا، وفي هذه الرحلة الاستشفائية لبوتفليقة بمستشفى «فال دوغراس» بدأت العلاقة بين الرئيس الجزائري والبروفيسور الفرنسي المختص بأمراض القلب «جاكي مونسوجو» الذي واصل متابعة الملف الطبي لبوتفليقة، ولطمأنة الرأي العام في الجزائر خرج مغني الراي الجزائري الشهير «الشاب مامي» ليؤكد للجزائريين أنّ صحة الرئيس الجزائري جيدة، وأن آثار المرض لا تظهر عليه، وأضاف مامي أنه قضى 10 دقائق على انفراد معه في مستشفى فال دوغراس العسكري في باريس؛ ليعود بعدها الرئيس الجزائري في الفترة ما بين من 19 أبريل (نيسان) إلى 21 من الشهر ذاته 2006 إلى نفس المستشفى لإجراء فحوصات ما بعد الجراحة.

    استقرت حالة الرئيس الجزائري بعدها وعاد إلى سابق نشاطه، وقبل أن يكمل عهدته الرئاسية الثانية نجا منمحاولة اغتيالٍ استهدفته أثناء زيارةٍ له لمحافظة باتنة (شرقي الجزائر) بعد أنّ فجّر انتحاري قنبلةً وسط المواطنين المجتمعين لاستقباله.

وفي الفترة ما بين 2010 حتى 2012 راجت شائعات حول تدهورٍ صحة بوتفليقة؛ بسبب غيابه عن أنشطة رسمية، وأخرى غير رسمية، جرت خلال تلك الفترة،ليردّ بوتفليقة على تلك الشائعات باستقباله أسطورة كرة القدم الفرنسية، وصاحب الأصول الجزائرية، «زين الدين زيدان»، في مارس (آذار) من عام 2010، واستقباله الوزير الأول القطري، «حمد بن جاسم بن جابر آل ثاني» في سبتمبر (أيلول) 2011.

أبريل 2013.. الأزمة الصحية الأخطر على صحة الرئيس الجزائري

   قبل هذا التاريخ تحدث الرئيس الجزائري مطولًا أمام الجزائريين في مطلع مايو (أيار) 2012 بمناسبة الذكرى 67 لأحداث الثامن من مايو 1945 المعروفة بمجازر سطيف، وقالمة، وخراطة (شرق البلاد)، وكان بوتفليقة قد أعلن بكلام واضح وصريح: «جيلي طاب جنانو»، أي: «إن الوقت قد حان بالنسبة إلى جيلي للتخلي عن السلطة»، وأضاف بوتفليقة «لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها».

لم يكن يعتقد الجزائريون أنّ هذا الخطاب سيكون الأخير للرئيس الجزائري بكامل قواه الصحية؛ فبعد عامٍ على هذا الخطاب، أصيب بوتفليقة بنوبةٍ إقفاريةٍ عابرة استدعت نقله على جناح السرعة إلى باريس؛ لتلقي العلاج بالمستشفى العسكري «فال دوغراس».

   ولتفادي الفوضى الإعلامية أعلنت السلطات الجزائرية عن خبر نقل الرئيس في يومها، بعد أن كانت قد أجلت ذلك في المناسبات السابقة، وأمام الجدل الذي رافق الوعكة الصحية الخطيرة لبوتفليقة، كشف البروفيسور «رشيد بوغربال»، الطبيب الخاص للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، عن حيثيات الوعكة الصحية التي تعرّض لها رئيس الجمهورية، والتي قال إنها كانت عبارة عن إصابة في شريان المخ، أو ما يعرف بنوبة إقفارية عابرة أوقفت أجهزة الرئيس بوتفليقة العضوية لمدة تراوحت بين 10 و20 دقيقة؛ لتعود جميع الأجهزة إلى العمل بطبيعتها الصحية.

وأضاف حينها بوغربال: أن «بوتفليقة كان يحرّك جميع أعضائه على غرار اليدين والرجلين والفم والعينين، عكس ما تداول حول تعرّضه لشلل نصفي»، أمّا الطاقم الطبي الذي أشرف على علاجه في مصحة «فال دو غراس»، فأكد أنّ «الرئيس الجزائري أصيب بجلطة دماغية في 27 أبريل، دون تأثير على وظائفه الحيوية، وأنّه بحاجةٍ إلى فترة إعادة التأهيل الوظيفي».

بقي الرئيس الجزائري بمصحة «ليزانفاليد» أكثر من 80 يومًا، بعد أن نقل لها لإجراء التأهيل الوظيفي، وهي المدّة التي جعلت بعض الجهات في المعارضة السياسية تطالب بتطبيق «المادة 88 من الدستور الجزائري»، والتي تعفي الرئيس من مهامه؛ بسبب المرض الذي يحول دون أداء مهامه الدستورية.

   ظهر بوتفليقة للرأي العام بعد 47 يومًا من الغياب في 12 يونيو (حزيران) عام 2013؛ إذ بث التلفزيون الرسمي الجزائري صور للرئيس بوتفليقة، يستقبل الوزير الأول وقتها «عبد المالك سلال»، وقائد أركان الجيش الجزائري «أحمد القايد صالح» بمصحة «ليزانفاليد»، وفي 16 يوليو (تموز) عام 2013 عاد بوتفليقة إلى الجزائر على كرسيٍّ متحرك؛ قبل أن يعود في الفترة ما بين 13 إلى 16 يناير (كانون الثاني) 2014  إلى مستشفى «فال دوغراس»؛ ليخضع مرة أخرى لفحوصات طبية.

الفترة الرئاسية الرابعة لبوتفليقة.. حين تغلّب المرض على الرئيس

    في 28 أبريل عام 2014، وفي أوّل ظهور علني له منذ وعكته الصحية الخطيرة، أدّى الرئيس بوتفليقة اليمين الدستورية على كرسي متحرك بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية التي خاضها، على الرغم من مشاكله الصحية، ليبدأ فترةً رئاسيةً رابعة، غير أنّ مشاكله الصحية بدأت في التعقيد، لينقل في 13 من نوفمبر عام 2014 إلى باريس، وبالضبط إلى مصحة«لوميير» بمدينة حرونوبل الفرنسية وسط تكتمٍ رسمي جزائري، غير انّ الإعلام الفرنسي كشفعن الأمر، ليدفع بالوزير الأوّل الجزائري وقتها عبد المالك سلال إلى التصريح من باريس: «إن الرئيس بوتفليقة قام في الآونة الأخيرة، كما تعلمون، بزيارة مراقبة طبية وهو في وضع حسن، وحالته الصحية تتطور بشكل صحيح».

وأمام تواصل التعتيم الجزائري عن سبب زيارة بوتفليقة لمصحة «لوميير» بجرونوبل، خصوصًا بعد تسرب خبر تنقل طبيبه الفرنسي الذي يتابع علاجه البروفيسور «جاك مونسوجو» من مصحة فال دوجراس إلى مصحة «لوميير» بجرونوبل (جنوب شرق فرنسا)، كشفت مصالح طبيّة لوسائل إعلام فرنسية أنّ الرئيس بوتفليقة أدخل إلى مصحة أمراض القلب والشرايين، وعاد بعد يومين إلى الجزائر .

   ومع مطلع ديسمبر عام 2015، وأمام تزايد الشائعات حول تدهور الوضع الصحي للرئيس الجزائري، ظهر بوتفليقة في التلفزيون العمومي، أثناء استقباله رئيس وزراء مالطا، «جوزيف موسكات»؛ ليعلن بعدها عن نقله في الثالث من الشهر ذاته إلى باريس لإجراء فحوصات طبيّة، وأنّ وضعه الصحي في تطورٍ، غير أنّ ممرضة بمصحة «ألمبيرت» بجرونوبل سربت في اتصالٍ هاتفي مع جريدة «ripostelaique» الفرنسية خضوع الرئيس الجزائري لسلسلة من الفحوصات في قسم أمراض القلب تحت إشراف طبيبه المختص الدكتور جاك مونسجو، وكانت صحيفة «le dauphine» قد كشفت عن تفاصيل الزيارة الطبية التي قام بها بوتفليقة في تلك الفترة، وفي الفترة ما بين السابع إلى 15 نوفمبر عام 2016، خضع بوتفليقة لفحص طبي دوري في إقامته بالعاصمة الجزائر.

   استمرت بعدها الشائعات حول الوضع الصحي للرئيس الجزائري الذي ظلّ متواريًا عن الأنظار غير أنّ الوزير الأوّل الفرنسي السابق «مانويل فالس»، الذي عاد من زيارة إلى الجزائر مطلع أبريل عام 2016، أعاد الجدل حول مرض بوتفليقة عن طريق نشره لصورة له مع بوتفليقة، ظهر فيها الأخير بوجه شاحبٍ، وعلامات المرض مؤثرة عليها؛ ما أجج مجددًا التساؤلات حول قدرته على مواصلة إدارة البلاد بسبب المرض.

   وفي 20 فبراير (شباط) الماضي ذكرت مصالح الرئاسة الجزائرية أن بوتفليقة أصيب بـ«التهاب حاد للشعب الهوائية» أدخله المستشفى، ولم يتمكن من استقبال المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وبعد أسبوع أكد الأمين العام لـ«حزب جبهة التحرير الوطني»، جمال ولد عباس أن «الرئيس على أحسن ما يرام ويتابع نشاطه بطريقة عادية»، وزاد من حدّة الجدل عن مرض بوتفليقة خبر تأجيل زيارة الرئيس الإيراني «حسن روحاني» إلى الجزائر، والتي كانت مرفوضة شعبيًا، ولتفنيد الشائعات ظهر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بعد شهرٍ من ذلك في نشاط رسمي على التلفزيون الحكومي بعد شائعات حول تدهور وضعه الصحي خلال الأسابيع الأخيرة، وهو يستقبل وزير الشؤون المغاربية والأفريقية والعربية عبد القادر مساهل، ثمّ أتبعها بسلسلة خرجات ميدانية مدشنًا قصر المؤتمرات بالعاصمة، وانتقل إلى أوبرا الجزائر، كما زار مشروع جامع الجزائر الأعظم.

غير أنّه عاد إلى مجمع جرونوبل الطبي بباريس في السابع من نوفمبر 2016 لإجراء فحوص طبية روتينية بحسب ما جاء في بيانٍ لوكالة الأنباء الجزائرية، وهي الزيارة التي دامت قرابة الأسبوع؛ ليستأنف بوتفليقة نشاطه الرئاسي مستقبلًا نائب رئيس مجلس الوزراء الإماراتي الشيخ «منصور بن زايد آل نهيان»، في الجزائر العاصمة في 22 من نفس الشهر.

الزيارة الأخيرة لجنيف.. بوتفليقة في العناية المركزة

   على مسافة ستة أشهر فقط من الانتخابات الرئاسية المزمع تنظيمها شهر أبريل 2019، وأمام تزايد الجدل حول ترشحه لعهدةٍ خامسةٍ بسبب وضعه الصحي، في 27 من أغسطس الماضي نُقل الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة على جناح السرعة إلى مدينة جنيف السويسرية؛ لإجراء «فحوصات طبية دورية»، وفق بلاغ لرئاسة الجمهورية، وذكرت الرئاسة بعدها بيوم، في بيان مقتضب نقلته وكالة الأنباء الجزائرية، أن «فخامة عبد العزيز بوتفليقة رئيس الجمهورية غادر الاثنين أرض الوطن متوجهًا لجنيف بسويسرا لإجراء فحوصات طبية دورية (روتينية)».

   غير أنّ مصدر من داخل المستشفى السويسري الذي نقل إليه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، كشف بأن الحالة الصحية للأخير سيئة جدًا، وتم نقله إلى غرفة العناية المركزة، وقال المصدر في تصريحات لموقع «الجزائر تايمز»: «إن بوتفليقة يعاني من مرض السرطان، كما يعاني من عدة أمراض في القلب والكلى والدماغ والمعدة».

وتخوفًا من تسريب أنباء عن حالته الصحية كشفت صحيفة «موند أفريك» إنه تم اتخاذ كل الاحتياطات من قبل حاشية الرئيس الجزائري المرافقة له في هذه السفرية، لمنع نشر أية معلومات حول الحالة الصحية لبوتفليقة، وأوضحت الصحيفة أنه تم نقل بروفيسور تونسي عمل في وحدة العناية المركزة للسرطان وممرضة مغربية، بناء على طلب شقيق رئيس الجزائري سعيد بوتفليقة الموجود بالمستشفى، لافتةً إلى أن الحراس الشخصيين للرئيس بوتفليقة يقيمون في غرف خصصت لهم مجاورة للمرضى.

   وذكرت «موند أفريك» أن جزائريين جاءوا لزيارة أقارب لهم في المستشفى في قسم الأورام ذاته الذي يعالج فيه الرئيس، أتيحت لهم الفرصة للقاء وتحية سعيد بوتفليقة والحراس الشخصيين للرئيس الجزائري، وأمام الترقب الشديد الذي ميّز الشارع الجزائري بعد رواج أنباء عن وفاة الرئيس الجزائري في جنيف، أعلنت السلطات الجزائرية عن عودة بوتفليقة إلى أرض الوطن مطلع سبتمبر الجاري بعد رحلة مدتها ستة أيام إلى جنيف؛ حيث أجرى فحوصًا طبية دون الخوض في التفاصيل.

   جديرٌ بالذكر أنّ الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة يمارس مهامه منذ إصابته بالوعكة الصحية الخطير سنة 2013 وحتى اليوم في شكل قراراتٍ ورسائل ولقاءات مع كبار المسؤولين في الدولة، وضيوف أجانب يبثها التلفزيون الرسمي إلى جانب خرجات محدودة إلى العاصمة لتدشين بعض مشاريع، أو الظهور في مناسبات وطنية دون القيام بنشاط يتطلب جهدًا بدنيًا.
المصدر sasapost
اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق